صفحة جزء
2056 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن القيام مع الإمام في شهر رمضان أفضل منه في المنازل، واحتجوا في ذلك بقول النبي - عليه السلام -: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قنوت بقية ليلته".


ش: أراد بالقوم هؤلاء: الليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق; فإنهم قالوا: القيام مع الإمام في شهر رمضان أفضل منه في المنازل.

[ ص: 462 ] وقال أبو عمر: قال أحمد بن حنبل: القيام في المسجد أحب إلي وأفضل من صلاة المرء في بيته.

وقال به قوم من المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي، فمن أصحاب أبي حنيفة: عيسى بن أبان ، وبكار بن قتيبة ، وأحمد بن أبي عمران، ومن أصحاب الشافعي: إسماعيل بن يحيى المزني ، ومحمد بن عبد الله بن الحكم، واحتجوا بحديث أبي ذر عن النبي - عليه السلام -: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة".

قال الأثرم: كان أحمد يصلي مع الناس التراويح كلها -يعني الأشفاع إلى آخرها- ويوتر معهم، ويحتج بحديث أبي ذر. وقال أحمد: كان جابر وعلي وعبد الله يصلونها في جماعة، انتهى.

قلت: ويحكى ذلك عن عمر بن الخطاب ومحمد بن سيرين وطاوس، وهو مذهب أصحابنا الحنفية أيضا.

وقال صاحب "الهداية" : يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات، ثم قال: والسنة فيها الجماعة لكن على وجه الكفاية، حتى لو امتنع أهل المسجد كلهم عن إقامتها كانوا مسيئين، ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة; لأن أفراد الصحابة روي عنهم التخلف. انتهى.

قلت: الذي يفهم من كلام الإمام الطحاوي -رحمه الله- أنه اختار مذهب أهل المقالة الثانية، وهم الذين ذهبوا إلى أن صلاته في بيته أفضل من صلاته مع الإمام، وأشار إلى هذا أيضا في آخر هذا الباب بقوله: "وذلك هو الصواب"، وإنما لم يتعرض إلى ذكر أبي حنيفة وصاحبيه في آخر الباب على عادته في غالب الأبواب حيث يقول: وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وإذا كان خلاف بينهم بينه; إما أن مذهبهم مثل ما ذهب إليه هو بنفسه، وإما الرواية عنهم مختلفة في ذلك.

[ ص: 463 ] قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه بقوله - عليه السلام -: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف; كتب له قنوت بقية ليلته" أي قيام بقية ليلته، والمراد من القنوت ها هنا القيام، وهذا الحديث هو بعض حديث أبي ذر المذكور ولكن لفظه عنده كما مر: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة".

وهذه اللفظة قريبة من لفظة الترمذي: "أنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلته".

فإن قيل: لم لم يقل: واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقال: واحتجوا في ذلك بقول النبي - عليه السلام -: "أنه من قام ... " إلى آخره.

قلت: لما كان موضع الاحتجاج من الحديث هو قوله: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة" خص ذلك بالذكر، ولكنه ذكره بغير لفظه الذي ذكره في الحديث; فلا يخلو إما نقل بالمعنى، أو روايته ثبتت عنده كذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية