صفحة جزء
2579 2580 2581 2582 2583 2584 2585 2586 2587 2588 2589 2590 2591 ص: فذهب قوم إلى أن الكلام في الصلاة من المأمومين لإمامهم إذا كان على وجه إصلاح الصلاة لا يقطع الصلاة ، وأن الكلام من الإمام ومن المأمومين فيها على السهو لا يقطع الصلاة ، واحتجوا في مذهبهم في كلام المأموم للإمام لما قد تركه من الصلاة بكلام ذي اليدين لرسول الله - عليه السلام -[في هذه الآثار التي رويناها ، وفي مذهبهم في الكلام السهو على أن لا يقطع الصلاة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، - لذي اليدين : "لم تقصر الصلاة" في هذه الآثار التي رويناها ، وفي مذهبهم في الكلام على السهو أنه لا يقطع الصلاة ، فقول رسول الله - عليه السلام - لذي اليدين : "لم تقصر ولم أنس " وهو يرى أنه ليس في الصلاة ، قالوا : فلما بنى رسول الله - عليه السلام - على ما قد صلى ، ولم يكن ذلك قاطعا عليه ، ولا على ذي اليدين ؟ الصلاة ; ثبت بذلك أن الكلام لإصلاح الصلاة مباح في الصلاة ، وأن الكلام في الصلاة على السهو غير قاطع الصلاة . . .


ش: أراد بالقوم هؤلاء : ربيعة ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق ; فإنهم قالوا : كلام القوم في الصلاة لإمامهم على وجه إصلاحها لا يفسد الصلاة ، وكذلك كلام الكل على وجه السهو لا يفسدها . [ ص: 29 ] وقال أبو عمر بن عبد البر : وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يفسدها ، كقول مالك وأصحابه سواء ، وإنما الخلاف بينهما أن مالكا يقول : لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في شأنها وإصلاحها ، وهو قول ربيعة وابن القاسم إلا ما روي عنه في المنفرد ، وهو قول أحمد بن حنبل ، ذكر الأثرم عنه أنه قال : ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم يفسد عليه صلاته ، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه ، وذكر الخرقي عنه : أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته إلا الإمام خاصة ; فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته .

وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم : إن من تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم تتم الصلاة وأنه فيها أفسد صلاته ، فإن تكلم ناسيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة ; لأنه قد كملها عند نفسه لا تبطل ، وأجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة ، إلا ما روي عن الأوزاعي أنه من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك أن الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته ، وهو قول ضعيف في النظر . انتهى .

وقال القاضي عياض : المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث ذي اليدين ، وروي عنه ترك الأخذ به ، وأنه كان يستحب أن يعيد ولا يبني ، قال : وإنما تكلم النبي - عليه السلام - وأصحابه ; لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت ، ولا يجوز ذلك لأحدنا اليوم ، ورواه عنه أبو قرة ، وقاله ابن نافع وابن وهب وابن كنانة وقال الحارث بن مسكين : أصحاب مالك كلهم على خلاف ما قال ابن القاسم عنه ، وقالوا : كان هذا أول الإسلام ، وأما الآن فمن تكلم فيها أعادها ، وقد اختلف قول مالك وأصحابه في التعمد بالكلام لإصلاح الصلاة من الإمام والمأموم ، ومنع ذلك بالجملة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأهل الظاهر ، وجعلوه مفسدا للصلاة إلا أن أحمد أباح ذلك للإمام وحده ، وسوى أبو حنيفة بين العمد والسهو انتهى . [ ص: 30 ] وقال ابن قدامة في "المغني " : قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا ، وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة ، فأما الكلام لغير ذلك فينقسم خمسة أقسام .

أحدها : أن يتكلم جاهلا بتحريم الكلام في الصلاة ، فقال القاضي في "الجامع " : لا أعرف عن أحد نصا في ذلك ، ويحتمل أن لا تبطل صلاته ; لأن الكلام كان مباحا في الصلاة بدليل حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ، فلا يثبت حكم النسخ في حق من لم يعلمه بخلاف الناسي ، فإن الحكم قد ثبت في حقه .

القسم الثاني : أن يتكلم ناسيا وذلك نوعان :

أحدهما : أن ينسى أنه في الصلاة ، ففيه روايتان :

إحداهما : لا تبطل الصلاة وهو قول مالك والشافعي ; لأنه - عليه السلام - تكلم في حديث ذي اليدين .

والثانية : تفسد صلاته ، وهو قول النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي ، لعموم أحاديث المنع من الكلام .

النوع الثاني : أن يظن أن صلاته قد تمت فيتكلم ، فهذا إن كان سلاما لم تبطل صلاته -رواية واحدة - لأنه - عليه السلام - وأصحابه فعلوه وبنوا على صلاتهم ، وإن لم يكن سلاما فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة من أصحابه ، أنه إذا تكلم بشيء مما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلام النبي - عليه السلام - ذا اليدين لم تفسد صلاة ، وإن تكلم في شيء من غير أمر الصلاة كقوله : يا غلام اسقني ماء ، فسدت صلاته ، وفيه رواية ثانية : أن الصلاة تفسد بكل حال ، وهذا مذهب أصحاب الرأي ، وفيه رواية ثالثة : أن الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحال سواء كان من شأن الصلاة أو لم يكن ، إماما كان أو مأموما ، وهذا مذهب مالك والشافعي ; لأنه نوع من النسيان ، فأشبه التكلم جاهلا ، وتخرج فيه رواية رابعة : وهو أن المتكلم إن كان إماما تكلم لمصلحة الصلاة لم تفسد صلاته ، وإن تكلم غيره فسدت صلاته . [ ص: 31 ] القسم الثالث : أن يتكلم مغلوبا على الكلام ، وهو ثلاثة أنواع :

أحدها : أن تخرج الحروف من فيه من غير اختيار مثل أن يتثاءب فيقول : هاه . أو يتنفس : فيقول : آه . أو يسعل فنطق في السعلة بحرفين وما أشبه هذا أو يغلط في القراءة فيعدل إلى كلمة من غير القرآن ، أو يجيئه البكاء فيبكي ، ولا يقدر على رده ، فهذا لا يفسد صلاته ، نص عليه أحمد ، وقال القاضي فيمن تثاءب فقال : آه آه ، تفسد صلاته .

النوع الثاني : أن ينام فيتكلم ، فقد توقف أحمد عن الجواب فيه وينبغي أن لا تبطل صلاته . النوع الثالث : أن يكره على الكلام ، فيحتمل أن يخرج على كلام الناسي والصحيح إن شاء الله أن هذا تفسد صلاته .

القسم الرابع : أن يتكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على ضرير أو صبي الوقوع في هلكة ، أو يرى حية ونحوها تقصد غافلا ، أو نائما ، أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شيء ، ونحو هذا ، ولا يمكن التنبيه بالتسبيح ، فقال أصحابنا : تبطل الصلاة بهذا ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي ، ويحتمل أن لا تبطل الصلاة ، وهو ظاهر قول أحمد ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي .

القسم الخامس : أن يتكلم لإصلاح الصلاة ، وجملته أن من سلم من نقص في صلاته يظن أنها قد تمت ، ثم تكلم ، ففيه ثلاث روايات :

إحداهن : أن الصلاة لا تفسد إذا كان الكلام في شأن الصلاة ، مثل كلام النبي - عليه السلام - وأصحابه في حديث ذي اليدين .

والثانية : تفسد صلاتهم ، وهو قول الخلال ومذهب أصحاب الرأي ; لعموم أحاديث النهي .

والثالثة : أن صلاة الإمام لا تفسد ; لأن النبي - عليه السلام - كان إماما وبنى على صلاته ، وصلاة المأمومين الذين تكلموا تفسد ، فإنه لا يصح اقتداؤهم بأبي بكر وعمر [ ص: 32 ] - رضي الله عنهما - لأنهما تكلما مجيبين النبي - عليه السلام - ، وإجابته واجبة عليهما ; ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك فيها وليس بموجود في زمننا ، وهذه الرواية اختيار الخرقي واختص هذا بالكلام في شأن الصلاة ، فأما من تكلم في صلب الصلاة من غير سلام ولا ظن تمام ، فإن صلاته تفسد ، إماما كان أو غيره ، لمصلحة الصلاة أو غيرها ، وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه ، وهو مذهب الأوزاعي ، فإنه قال : لو أن رجلا قال للإمام وقد جهر بالقراءة في العصر : إنها العصر لم تفسد صلاته ، والله أعلم .

قوله : "وإن الكلام " بالفتح عطف على قوله : "إلى أن الكلام " .

قوله : "واحتجوا في مذهبهم " أي واحتج هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه .

قوله : "لما قد تركه " أي لأجل ما قد تركه الإمام من الصلاة .

قوله : "وفي مذهبهم " أي واحتج هؤلاء القوم أيضا في مذهبهم في الكلام على جهة السهو أنه لا يفسد الصلاة ، بقول رسول الله - عليه السلام - . . . . إلى آخره .

قوله : "قالو " أي قال هؤلاء القوم .

قوله : "ثبت " جواب لقوله "فلما بنى " فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية