صفحة جزء
2602 ص: فعلمهم رسول الله - عليه السلام - في هذه الآثار في كل نائبة تنوبهم في الصلاة التسبيح ولم يبح غيره ، فدل ذلك على أن كلام ذي اليدين لرسول الله - عليه السلام - بما كلمه به في حديث عمران ، وابن عمر ، وأبي هريرة - رضي الله عنهم - كان قبل تحريم الكلام في الصلاة .


ش: أي فعلم رسول الله - عليه السلام - الصحابة في الآثار المذكورة ، وهي التي رواها سهل بن سعد وأبو هريرة ومعاوية بن الحكم "في كل نائبة " أي : نازلة تنزل بهم في الصلاة أن يقولوا سبحان الله ، ولم يبح لهم أن يقولوا شيئا غير ذلك ، فدل ذلك أن كلام ذي اليدين خرباق السلمي لرسول الله - عليه السلام - بقوله : "أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ " . [ ص: 54 ] الذي ذكر في حديث عمران بن الحصين وعبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - كان قبل تحريم الكلام في الصلاة .

حاصل هذا الكلام : أن حديث ذي اليدين منسوخ ، وقد ذكر جماعة من المحققين أن ناسخه حديث عبد الله بن مسعود الذي أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي بأسانيدهم عن عبد الله قال : "كنا نسلم على النبي - عليه السلام - وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، وقال : "إن في الصلاة لشغلا " .

وحديث زيد بن أرقم الذي أخرجه الجماعة بأسانيدهم عنه قال : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه ، حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، وذلك لأن ذا اليدين قتل يوم بدر ، كذا روي عن الزهري وغيره على ما يجيء إن شاء الله ، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر ، ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإسلام عن بدر ; لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي - عليه السلام - أو صحابي آخر .

فإن قيل : قد روي في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن أبا هريرة قال : "بينا أنا أصلي مع النبي - عليه السلام - صلاة الظهر ، فسلم رسول الله - عليه السلام - في الركعتين ، فقام رجل من بني سليم . . . " الحديث وهذا تصريح منه أنه حضر تلك الصلاة ، فانتفى بذلك ما ذكرته وما ذكره الطحاوي أيضا من التأويل الذي أوله ، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى . [ ص: 55 ] قلت : يحتمل أن بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة في إحدى رواياته : "صلى بنا " أنه كان حاضرا فروى الحديث بالمعنى على زعمه وقال : "بينا أنا أصلي " هذا وإن كان فيه بعد إلا أنه يقربه ما ذكرنا من الدليل على أن ذلك كان قبل بدر ، ويدل عليه أيضا أن في حديث أبي هريرة : "ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها " وفي حديث عمران بن حصين : "ثم دخل منزله " ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن القبلة ويمشي وقد بقي عليه شيء من الصلاة فلا يخرجه ذلك عنها .

فإن قيل : فعل ذلك وهو لا يرى أنه في الصلاة .

قلت : فيلزم على هذا لو أكل أو شرب أو باع أو اشترى وهو لا يرى أنه في الصلاة أنه لا يخرجه ذلك منها ، وأيضا فقد أخبر النبي - عليه السلام - ذو اليدين ، وخبر الواحد يجب العمل به ، ومع ذلك تكلم - عليه السلام - وتكلم الناس معه مع إمكان الإيماء ; فدل على أن ذلك كان والكلام مباح في الصلاة ثم نسخ .

فإن قيل : قد جاء في رواية حماد بن زيد أنهم أومئوا .

قلت : قد اختلف على حماد في هذه اللفظة ، قال البيهقي في "المعرفة " : هذه اللفظة ليست في رواية مسلم عن أبي الربيع ، عن حماد ، وإنما هي في رواية أبي داود عن محمد بن عبيد .

فإن قيل : قد سجد النبي - عليه السلام - سجدتي السهو في حديث ذي اليدين ، ولو كان الكلام حينئذ مباحا كما قلتم لما سجدهما .

قلت : لم تتفق الرواية على أنه - عليه السلام - سجدهما بل اختلفوا في ذلك ، فقال البيهقي : لم يحفظها الزهري لا عن أبي سلمة ولا عن جماعة ، حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة ، وخرج الطحاوي -رحمه الله-على ما يأتي- عن الزهري قال : "سألت أهل العلم بالمدينة ، فما أخبرني أحد منهم أنه صلاهما -يعني سجدتي السهو- يوم ذي اليدين " فإن ثبت أنه لم يسجدهما فلا إشكال ، وإن ثبت أنه سجد نقول : الكلام في [ ص: 56 ] الصلاة وإن كان مباحا حينئذ ، لكن الخروج منها بالتسليم قبل التمام لم يكن مباحا ، فلما فعل - عليه السلام - ذلك ساهيا ، كان عليه السجود لذلك .

فإن قيل : قال البيهقي : "باب ما يستدل به على أنه لا يجوز أن يكون حديث ابن مسعود في تحريم الكلام ناسخا لحديث أبي هريرة وغيره في كلام الناسي " وذلك لتقدم حديث عبد الله وتأخر حديث أبي هريرة وغيره ، قال ابن مسعود فيما روينا عنه في تحريم الكلام : "فلما رجعنا من أرض الحبشة " ورجوعه من أرض الحبشة كان قبل هجرة النبي - عليه السلام - ، ثم هاجر إلى المدينة وشهد مع النبي - عليه السلام - بدرا ، فقصة التسليم كانت قبل الهجرة .

قلت : ذكر أبو عمر في "التمهيد " أن الصحيح في حديث ابن مسعود أنه لم يكن إلا بالمدينة ، وبها نهي عن الكلام في الصلاة ، وقد روى حديث ابن مسعود بما يوفق حديث زيد بن أرقم قال : "كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام " وهو حديث صحيح صريح في أن تحريم الكلام كان بالمدينة ; لأن صحبة زيد - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت بالمدينة ، وسورة البقرة مدنية ، ثم ذكر حديث ابن مسعود من جهة شعبة ، ولم يقل : إنه كان حين انصرافه من الحبشة ، ثم ذكره من وجه آخر بمعنى حديث زيد سواء ، ولفظه : "إن الله حدث أن لا تكلموا إلا بذكر الله ، وأن تقوموا لله قانتين . . . . " ثم ذكر حديثا ، ثم قال : ففيه وفي حديث ابن مسعود دليل على أن المنع من الكلام كان بعد إباحته .

فإن قيل : حديث ابن مسعود في سنده عاصم بن بهدلة ، قال البيهقي في كتاب "المعرفة " : صاحبا الصحيح توقيا روايته لسوء حفظه . وقال أبو عمر في "التمهيد " : من ذكر في حديث ابن مسعود : "إن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " ، وقد وهم ولم يقل ذلك غير عاصم وهو عندهم سيئ الحفظ كثير الخطأ . [ ص: 57 ] قلت : الحديث رواه ابن حبان في "صحيحه " والنسائي في "سننه " وقال : البيهقي ورواه جماعة من الأئمة عن عاصم بن أبي النجود ، وتداوله الفقهاء إلا أن صاحبي الصحيح يتوقيان روايته لسوء حفظه ، فأخرجا من طريق آخر ببعض معناه . وقال أبو عمر : وقد روي حديث ابن مسعود بما يوافق حديث زيد بن أرقم كما ذكرناه ، وهذا القدر كاف في صحة الاستدلال ، ثم إن حديث عاصم ليس فيه فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى مكة بل يحتمل أن يريد فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى المدينة ليتفق حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم ، وقد ذكر ابن الجوزي أن ابن مسعود لما عاد من الحبشة إلى مكة رجع في الهجرة الثانية إلى النجاشي ، ثم قدم على رسول الله - عليه السلام - بالمدينة وهو يتجهز لبدر ، وذكر البيهقي فيما بعد في هذا الباب من كلام الحميدي : أن إتيان ابن مسعود - رضي الله عنه - من الحبشة كان قبل بدر ، وظاهر هذا يؤيد ما قلنا ، وكذا قول صاحب "الكمال " وغيره : هاجر ابن مسعود إلى الحبشة ، ثم هاجر إلى المدينة . ولهذا قال الخطابي : إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة .

وهذا يدل على اتفاق حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم على أن التحريم كان بالمدينة كما تقدم من كلام صاحب "التمهيد " .

وقد أخرج النسائي في "سننه " : من حديث ابن مسعود قال : "كنت آتي النبي - عليه السلام - وهو يصلي فأسلم عليه ، فيرد علي ، فأتيته فسلمت عليه فلم يرد علي ، فلما سلم أشار إلى القوم ، فقال : "إن الله -عز وجل- حدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله ، وما ينبغي لكم ، وأن تقوموا لله قانتين " . فظاهر قوله : "وأن تقوموا لله قانتين " يدل على أن ذلك كان بالمدينة بعد نزول قوله تعالى : وقوموا لله قانتين موافقا لحديث زيد بن أرقم ، فظهر بهذا كله أن قصة التسليم كانت بعد الهجرة بخلاف ما ذكره البيهقي ، ثم إنه استدل على ما ذكره بحديث أخرجه عن ابن مسعود قال : "بعثنا [ ص: 58 ] رسول الله - عليه السلام - إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلا -وفي آخره قال :- فجاء ابن مسعود فبادر ، وشهد بدرا " .

قلت : ليس فيه أنه جاء إلى مكة كما زعمه ، بل ظاهره أنه جاء من الحبشة إلى المدينة ; لأنه جعل مجيئه وشهوده هذا عقيب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ ، ثم خرج عن موسى بن عقبة أنه قال : وممن يذكر أنه قدم على النبي - عليه السلام - بمكة من مهاجرة أرض الحبشة الأولى ، ثم هاجر إلى المدينة فذكرهم ، وذكر فيهم ابن مسعود ، قال : وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله - عليه السلام - ، وهكذا ذكره سائر أهل المغازي بلا خلاف .

قلت : أما قول ابن عقبة : "قدم على النبي - عليه السلام - بمكة من مهاجرة الحبشة " أراد به الهجرة الأولى ; فإنه - عليه السلام - كان بمكة حينئذ ولم يرد هجرة ابن مسعود الثانية فإنه - عليه السلام - لم يكن بمكة حينئذ بل بالمدينة ، فلم يرد ابن عقبة بقوله : "ثم هاجر إلى المدينة " أنه هاجر إليها من مكة بل من الحبشة في المرة الثانية .

وأما قول البيهقي : وهكذا ذكره سائر أهل المغازي ، إن أراد به شهود ابن مسعود بدرا فهو مسلم ، ولكن لا يثبت به مدعاه أولا ، وإن أراد به ما فهمه من كلام ابن عقبة أن رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة ، وأنه هاجر منها إلى المدينة ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة ، يقال له : كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك كما قررناه ، ولئن أراد ابن عقبة ذلك فليس هو مما اتفق عليه أهل المغازي كما تقدم عن ابن الجوزي وغيره .

فإن قيل : فقد ذكر في كتاب "المعرفة " عن الشافعي أن في حديث ابن مسعود أنه مر على النبي - عليه السلام - بمكة ، قال : فوجدته يصلي في فناء الكعبة . . . " الحديث .

قلت : لم يذكر ذلك أحد من أهل الحديث غير الشافعي ، ولم يذكر سنده لينظر فيه ، ولم يجد له البيهقي سندا مع كثرة تتبعه وانتصاره لمذهب الشافعي ، وذكر الطحاوي في "أحكام القرآن " : أن مهاجرة الحبشة لم يرجعوا إلا إلى المدينة ، وأنكر [ ص: 59 ] رجوعهم إلى دار قد هاجروا منها ; لأنهم منعوا من ذلك ، واستدل على ذلك بقوله - عليه السلام - في حديث سعد : "ولا تردوهم على أعقابهم " ثم ذكر البيهقي عن الحميدي أنه حمل حديث ابن مسعود على العمد ، وإن كان ظاهره يتناول العمد والنسيان ، واستدل على ذلك فقال كان إتيان ابن مسعود من أرض الحبشة قبل بدر ، ثم شهد بدرا بعد هذا القول ، فلما وجدنا إسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والنبي - عليه السلام - بخيبر قبل وفاته بثلاث سنين ، وقد حضر صلاة رسول الله - عليه السلام - وقول ذي اليدين ، ووجدنا عمران بن حصين شهد صلاة رسول الله - عليه السلام - مرة أخرى وقول الخرباق ، وكان إسلام عمران بعد بدر ، ووجدنا معاوية بن حديج حضر صلاة رسول الله - عليه السلام - ، وقول طلحة بن عبيد الله : "وكان إسلام معاوية قبل وفاة النبي - عليه السلام - بشهرين " ووجدنا ابن عباس يصوب ابن الزبير في ذلك ويذكر أنها سنة رسول الله - عليه السلام - وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي - عليه السلام - ، ووجدنا ابن عمر - رضي الله عنهما - روى ذلك ، وكان إجازة النبي - عليه السلام - ابن عمر يوم الخندق بعد بدر ، علمنا أن حديث ابن مسعود خص به العمد دون النسيان ، ولو كان ذاك الحديث في النسيان والعمد يومئذ ، لكانت صلاة رسول الله - عليه السلام - ناسخة له لا بعده .

قلت : ليس للحميدي دليل على أن ابن مسعود شهد بدرا بعد هذا القول ، وعلى تقدير صحة ذلك نقول : هذا القول كان بالمدينة قبل بدر ، وقضية ذي اليدين أيضا كانت قبل بدر ، لكن قضية ذي اليدين كانت متقدمة على حديث ابن مسعود وابن أرقم ، فنسخت بهما ، يدل على ذلك ما رواه البيهقي في آخر باب "من قال يسجدهما قبل السلام في الزيادة والنقصان " بإسناد جيد : من حديث معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان ، عن أبي هريرة ، فذكر صلاة النبي - عليه السلام - وسهوه ، ثم قال الزهري : وكان ذلك قبل بدر ، ثم استحكمت الأمور بعد فهذا يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة ; لتأخر إسلامه عن هذا الوقت ، وأيضا فإن ذا اليدين قتل ببدر وأما عمران بن حصين - رضي الله عنه - فليس في شيء من كتب الحديث التي في أيدي الناس أنه حضر تلك الصلاة ، [ ص: 60 ] ولم يذكر البيهقي ذلك مع كثرة سوقه للطرق ، بل في كتاب النسائي ، عن عمران : إنه - عليه السلام - صلى بهم وسهى ، فسجد ثم سلم وكذا في "صحيح مسلم " وغيره بمعناه ، والأظهر أن ذلك مختصر من حديث ذي اليدين ، فظاهر قوله : "صلى بهم " أنه لم يحضر تلك الصلاة .

وأما حديث معاوية بن حديج ففي إسناده سويد بن قيس المصري التجيبي قال : الذهبي في كتابه "الميزان " و"الضعفاء " : مجهول تفرد عنه يزيد بن أبي حبيب .

وفي حديث معاوية هذا مخالفة لحديث ذي اليدين من وجوه تظهر لمن ينظر فيه ، وفيه : "أنه - عليه السلام - أمر بلالا فأقام الصلاة ، ثم أتم تلك الركعة " وأجمعوا على العمل بخلاف ذلك ، وقالوا : إن فعل الإقامة ونحوها يقطع الصلاة ، وأما تصويب ابن عباس لابن الزبير - رضي الله عنهم - في ذلك فقد ذكره البيهقي من طريقين في أحدهما حماد بن سلمة عن عسل بن سفيان ، وقال : في باب : "من مر بحائط إنسان " : ليس بالقوي ، وعسل ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وغيرهم .

وفي الطريق الثاني : الحارث بن عبيد أبو قدامة ، قال النسائي : ليس بالقوي . وقال أحمد : مضطرب الحديث . وعنه قال : لا أعرفه . وقال البيهقي في باب : "سجود القرآن إحدى عشرة " ضعفه ابن معين .

فأما قوله : "وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي - عليه السلام - " فكأنه أراد بذلك استبعاد قول من يقول : إن قضية ذي اليدين كانت قبل بدر ; لأن ظاهر قول ابن عباس ما أماط سنة نبيه - عليه السلام - يدل على أنه شهد تلك القضية ، وقبل بدر لم يكن ابن عباس من أهل التمييز وتحمل الرواية لصغره جدا ونحن بعد تسليم دلالته على أنه شهد القضية نمنع كون سنه كذلك ، بل قد روي عنه أنه قال : توفي النبي - عليه السلام - وأنا ابن خمس عشرة سنة ، وصوب أحمد بن حنبل هذا القول ، ويدل عليه ما روي في الصحيح عن ابن عباس أنه قال في حجة الوداع ، وكنت يومئذ قد ناهزت الحلم ، ولا يلزم من رواية ابن عمر ذلك وإجازته بعد بدر أن لا تكون القضية قبل بدر ; لأنه كان عند ذلك من أهل التحمل . [ ص: 61 ] وقوله : "علمنا أن حديث ابن مسعود خص به العمد دون النسيان " قلنا : لم يكن الكلام الذي صدر من ذي اليدين سهوا ، وكذا من النبي - عليه السلام - وأصحابه ; لأن ذا اليدين لما قال : "بلى قد كان بعض ذلك " علم - عليه السلام - أن النسيان قد وقع فابتدأ عامدا فسأل الناس فأجابوه أيضا عامدين ; لأنهم علموا أنها لم تقصر وأن النسيان قد وقع .

ثم خرج البيهقي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر ، ثم قال : فلم يأمره النبي - عليه السلام - النبي - عليه السلام - بإعادة الصلاة ، فمن تكلم في صلاته ساهيا أو جاهلا مضت صلاته .

والجواب أن الوليد بن مسلم مدلس ولم يصرح ها هنا بالسماع من الأوزاعي ، وكان معاوية جاهلا بتحريم الكلام .

ثم قال البيهقي : الذي قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لبني زهرة من خزاعة ، وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي - عليه السلام - بسهوه فإنه بقي بعد النبي - عليه السلام - كذا ذكره شيخنا أبو عبد الله ، فقد ذكرنا الجواب عن هذا الفصل مستوفى فيما مضى .

التالي السابق


الخدمات العلمية