صفحة جزء
2603 ص: ومما يدل على ذلك أيضا : أن ربيعا المؤذن حدثنا ، قال : ثنا شعيب بن الليث ، قال : ثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن سويد بن قيس أخبره ، عن معاوية بن خديج : " أن رسول الله - عليه السلام - صلى يوما وانصرف ، وقد بقيت من الصلاة ركعة ، فأدركه رجل فقال : بقيت من الصلاة ركعة ، فرجع إلى المسجد فأمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى للناس ركعة ، فأخبرت بذلك الناس ، فقالوا : أتعرف الرجل ؟ فقلت : لا إلا أن أراه ، فمر بي فقلت : هو هذا ; فقالوا : هذا طلحة بن عبيد الله " .

ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - أمر بلالا فأذن وأقام الصلاة ، ثم صلى ما كان ترك من صلاته ، ولم يكن أمره بلالا بالأذان والإقامة قاطعا لصلاته ، ولم يكن أيضا ما كان من بلال من أذانه وإقامته قاطعا لصلاته ، وقد أجمعوا أن فاعلا لو فعل هذا الآن وهو في الصلاة كان به قاطعا للصلاة ; فدل ذلك أن جميع ما كان من رسول الله - عليه السلام - في صلاته في حديث معاوية بن خديج هذا ، وفي حديث ابن عمر [ ص: 62 ] وعمران 5 وأبي هريرة - رضي الله عنهم - كان والكلام مباح في الصلاة ، ثم نسخ الكلام فيها ، فعلم رسول الله - عليه السلام - الناس بعد ذلك ما ذكره عنه معاوية بن الحكم 5 وأبو هريرة 5 وسهل بن سعد - رضي الله عنهم - .


ش: أي ومن الذي يدل على أن كلام ذي اليدين لرسول الله - عليه السلام - بما كلمه به في حديث عمران بن حصين وعبد الله بن عمر وأبي هريرة كان قبل تحريم الكلام في الصلاة .

بيان ذلك : أنه - عليه السلام - أمر بلالا بالآذان والإقامة للصلاة في حديث معاوية بن خديج ، فأذن وأقام ، ثم صلى رسول الله - عليه السلام - ما تركه من صلاته ، فلم يكن أمره بذلك قاطعا لصلاته ، ولا ما كان من بلال من الأذان والإقامة قاطعا لصلاته فدل ذلك على أن جميع ما كان من النبي - عليه السلام - في أحاديث هؤلاء قد كان والحال أن الكلام مباح في الصلاة ، ثم نسخ الكلام في الصلاة فعلم رسول الله - عليه السلام - الناس بعد هذا الأمر أنهم إذا نزل بهم أمر من النوائب يقولون : سبحان الله ، على ما ذكره في حديث معاوية بن الحكم وأبي هريرة وسهل بن سعد - رضي الله عنهم - ، ثم إن الأمة قد أجمعت على أن السنة أن الإمام إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح به القوم ، ولم يسبح ذو اليدين برسول الله - عليه السلام - ، ولا أنكره - عليه السلام - عليه ، فدل على أن ما أمر به - عليه السلام - من التسبيح للنائبة في الصلاة متأخر عما كان من حديث ذي اليدين ، والله أعلم .

ثم إنه أخرج حديث معاوية بن حديج ، عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري -كل هؤلاء ثقات- عن سويد بن قيس التجيبي المصري -فيه مقال وقد ذكرناه عن قريب- عن معاوية بن حديج -بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم- قيل : لا صحبة له ، والأصح أن له صحبة والله أعلم . [ ص: 63 ] وأخرجه أبو داود : ثنا قتيبة بن سعيد ، نا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره ، عن معاوية بن حديج : "أن رسول الله - عليه السلام - صلى يوما فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة ، فأدركه رجل فقال : نسيت من الصلاة ركعة ; فرجع فدخل المسجد ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى للناس ركعة ، فأخبرت بذلك الناس ، فقالوا لي : أتعرف الرجل ؟ قلت : لا إلا أن أراه ، فمر بي ، فقلت : هذا هو ; فقالوا : هذا طلحة بن عبيد الله .

وأخرجه النسائي : عن قتيبة . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي متنا .

وأخرجه الحاكم في "مستدركه " : ولفظه : "صليت مع النبي - عليه السلام - المغرب ، فسلم في ركعتين ، ثم انصرف ، فقال له رجل -يعني طلحة بن عبيد الله - إنك سهوت فسلمت في ركعتين ، فأمر بلالا فأقام الصلاة ، ثم أتم تلك الركعة " .

قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال أبو سعيد بن يونس : هذا أصح حديث معاوية بن حديج .

قوله : "ففي هذا الحديث " أراد به حديث معاوية بن حديج .

فإن قيل : الأخبار التي وردت من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر ومعاوية بن حديج هل هي قضية واحدة أو قضيتان أو أكثر ؟ .

قلت : الذي يظهر من كلام البخاري أن حديث أبي هريرة وعمران واحد ; لقوله في إثر حديث أبي هريرة : فربما سألوه -يعني محمد بن سيرين - ثم سلم ؟! قال : نبئت أن عمران قال : "ثم سلم " والذي يقوله ابن حبان إنه غيره ، قال : لأن في حديث أبي هريرة الذي أعلم النبي - عليه السلام - : ذو اليدين ، وفي خبر عمران الخرباق ، وفي [ ص: 64 ] خبر معاوية بن حديج طلحة بن عبيد الله ، قال : وخبر الخرباق : "سلم في الركعة الثالثة " وخبر ذي اليدين : "من ركعتين " وخبر معاوية : "من الركعتين في صلاة المغرب " فدل أنها ثلاثة أحوال متباينة في ثلاث صلوات لا واحدة ، فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية