صفحة جزء
2640 2641 ص: ففي حديث عبيد الله عن ابن عباس أنهما مرا على الصف ، فقد يجوز أن يكونا مرا على المأمومين دون الإمام وكان ذلك غير قاطع على المأمومين ، ولم يكن في ذلك دليل على حكم مرور الحمار بين يدي الإمام ، ولكن في حديث صهيب ، عن ابن عباس : أنه مر برسول الله - عليه السلام - فلم ينصرف ; فدل ذلك على أن مرور الحمار بين يدي الإمام غير قاطع للصلاة ، وقد روي عن ابن عباس في الحديث الذي ذكرناه عنه في الفصل الأول من حديث ابن أبي داود : أن الحمار يقطع الصلاة . . . في أشياء ذكرها معه في ذلك الحديث قال : وأحسبه قد أسنده .

فهذا الحديث الذي رويناه عن عبيد الله 5 وصهيب ، عن ابن عباس مخالف لذلك ; فأردنا أن نعلم أيهما نسخ الآخر ؟ فنظرنا في ذلك فإذا أبو بكرة قد حدثنا قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا سماك ، عن عكرمة ، قال : "ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة ؟ فقالوا : الكلب والحمار ، فقال ابن عباس : إليه يصعد الكلم الطيب وما يقطع هذا ولكنه يكره " . [ ص: 118 ] فهذا ابن عباس: قد قال : بعد رسول الله - عليه السلام - : إن الحمار لا يقطع الصلاة ; فدل ذلك على أن ما روى عنه عبيد الله 5 وصهيب كان متأخرا عما رواه عنه عكرمة من ذلك .


ش: أراد بهذا تصحيح معاني الأحاديث المذكورة ، وبيان النسخ فيها .

بيانه : أن ما رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس المذكور فيما مضى ليس فيه دليل على حكم مرور الحمار بين يدي الإمام ; لأنه قال : فمررنا على بعض الصف ، فقد يجوز أن يكون مرورهما على المأمومين دون الإمام ، وكان ذلك غير قاطع على المأمومين ; وهذا قال من يرى أن الحمار يقطع الصلاة : إن مرور حمار عبد الله كان خلف النبي - عليه السلام - بين يدي بعض الصف ، وليس فيه دليل على أن مروره بين يدي الإمام غير قاطع للصلاة .

ولكن روي عن ابن عباس في الحديث الذي رواه إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن المقدمي ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن يحيى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس -قال : أحسبه قد أسند إلى النبي - عليه السلام -- قال : "يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب والحمار . . . " الحديث .

فهذا الحديث يدل على أن مروره يقطع الصلاة مطلقا ; ولكن يعارضه ما رواه عبيد الله بن عبد الله وصهيب ، عن ابن عباس ; لأن فيه أن ذلك لا يقطع الصلاة ، فقد حصل التعارض والتخالف بين حديثي ابن عباس ، فيحتاج فيه أن ننظر حتى نعلم أيهما الناسخ ، فنظرنا في ذلك فوجدنا عكرمة قد روى عن ابن عباس أنه قال : "ما يقطع هذا ولكنه يكره " .

أخرجه بإسناد صحيح عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، وثقه ابن حبان ويحيى وآخرون .

عن سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عنه . [ ص: 119 ] وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث الثوري ، عن سماك . . . إلى آخره نحوه .

وأخرجه أيضا عبد الرزاق في "مصنفه " : عن الثوري ، عن سماك ، نحوه .

فدل ذلك أن ما رواه عبيد الله وصهيب عنه كان متأخرا عما رواه عنه عكرمة المذكور في الفصل الأول ، والمتأخر ناسخ للمتقدم ; وذلك لأن قول ابن عباس هذا بعد النبي - عليه السلام - يدل على أنه قد ثبت عنده ارتفاع حكم ما رواه قبل ذلك ، فيكون قوله دلالة للتأريخ ، وقد أجاب بعضهم عن أحاديث القطع بأن المراد بالقطع : المبالغة في الخوف على فسادها بالشغل بهم ، كما يقال للمادح : قطعت عنق أخيك . أي فعلت به فعلا يخاف عليه هلاكه منه كمن قطع عنقه ، وقد يجاب بأن الحديث الأول لا يساوي هذا الحديث ولا يدانيه على ما ذكرنا ، ثم معنى قول ابن عباس : "إليه يصعد الكلم الطيب " إشارة إلى أن المصلي مشتغل بذكر ربه متوجه إليه فكلمه وذكره الطيب يصعدان إلى الله تعالى ، والعمل الصالح يرفعه فلا يقطع صلاته مرور الحمار ولا الكلب ولا المرأة .

وقال : ابن حزم احتج بعض المخالفين بقول الله تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قال : "فما يقطع هذا " ، قال علي : يقطعه عند هؤلاء المشغبين قبلة الرجل امرأته ومسه ذكره وأكثر من قدر الدرهم من بول ، ويقطعه عند الكل رويمة تخرج من الدبر متعمدة .

قلت : هذا كلام سخيف لأن بهذه الأشياء يرتفع الوضوء فيبقى المصلي بلا طهارة فكيف لا تقطعها هذه الأشياء ، بخلاف مرور الحمار والكلب والمرأة فإنه لا يرفع الوضوء بالإجماع ، والمصلي بذلك على طهارته في ذكره وكلمه الطيب ، وعمله الصالح يرفعه فلا يضره ولا يقطعه ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية