صفحة جزء
2691 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : إذا دبغ جلد الميتة أو عصبها فقد طهر ، ولا بأس ببيعه والانتفاع به ، والصلاة عليه .


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم : عمر بن عبد العزيز والنخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير والثوري وسعيد بن جبير والليث والزهري والأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي وعبد الله بن وهب وآخرين كثيرين ، فإنهم قالوا : يطهر جلد الميتة بالدباغ ويجوز بيعها والانتفاع بها من كل الوجوه ، وإليه ذهب أهل الظاهر أيضا . [ ص: 173 ] وقال ابن حزم في "المحلى " : ويطهر جلد الميتة أي ميتة كانت ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك بالدباغ ، بأي شيء دبغ طهر ، فإذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه ، وكان كجلد ما ذكي مما يحل أكله ، إلا أن جلد الميتة المذكور لا يحل كله بحال حاشى جلد الإنسان فإنه لا يحل أن يدبغ ولا أن يسلخ ولا بد من دفنه ، وإن كان كافرا ، وصوف الميتة وشعرها وريشها ووبرها حرام قبل الدباغ حلال بعده ، وعظمها وقرنها حرام كله لا يحل بيعه ولا بيع الميتة ولا الانتفاع بعصبها ولا بشحمها ، وقال : قال الشافعي : يتوضأ في جلود الميتة إذا دبغت ، أي جلد كان إلا جلد كلب أو خنزير ، ولا يطهر بالدباغ لا صوف ولا شعر ولا وبر ولا عظام ولا قرن ولا سن ولا ريش إلا الجلد وحده فقط . انتهى .

وقال أبو عمر : وكذلك قال محمد بن عبد الحكم وداود بن علي وأصحابه ، واحتجوا بقوله - عليه السلام - : "أيما إهاب دبغ فقد طهر " حملوه على العموم في كل جلد .

قال أبو عمر : يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهودة الانتفاع بها ، وأما جلد الخنزير فلم يدخل في المعنى ; لأنه غير معهود الانتفاع بجلده ، إذ لا تعمل فيه الذكاة ، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه خفف الذكاة في جلود السباع ، وكره جلود الحمير مذكاة .

قال ابن القاسم : أما جلد السبع والكلب إذا ذكي فلا بأس ببيعه والشرب فيه والصلاة عليه .

قال أبو عمر : الذكاة عند مالك وابن القاسم عاملة في السباع لجلودها وغير عاملة في الحمير والبغال ، وأما أشهب فقال : جلد الميتة إذا دبغ لا أكره الصلاة فيه ولا الوضوء منه وأكره بيعه ورهنه ، فإن بيع ورهن ، لم أفسخه ، قال : وكذلك جلود السباع إذا ذكيت ودبغت ، وهي عندي أخف لموضع الذكاة مع الدباغ ، فإن لم تذك جلود السباع فهي كسائر جلود الميتة إذا دبغت ، وقال عبد الملك بن حبيب : لا يجوز بيع جلود السباع ولا الصلاة فيها وإن دبغت إذا لم تذك ، ولو ذكيت لمجردها حل بيعها والصلاة فيها ، قال أبو عمر : قول أشهب هذا قول أكثر الفقهاء وأهل [ ص: 174 ] الحديث ، وقال الشافعي : جلود الميتة كلها تطهر بالدباغ وكذلك جلد ما لا يؤكل لحمه إذا دبغ إلا الكلب والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما شيئا .

قال أبو عمر : لا تعمل الذكاة عند الشافعي في جلد ما لا يؤكل لحمه ، وحكى عن أبي حنيفة أن الذكاة عنده عاملة في السباع والحمير لجلودها ، ولا تعمل الذكاة عنده في جلد الخنزير ولا عند أحد من أصحابه . انتهى .

وفي "البدائع " تطهر الجلود كلها بالدباغ إلا جلد الآدمي والخنزير ، كذا ذكر الكرخي ، وقال مالك : إن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ ، لكن يجوز استعماله في الجامد لا المائع ، بأن جعل جرابا للحبوب دون المرق والماء والسمن والدبس وقال عامة أصحاب الحديث : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه ، وقال الشافعي كما قلنا إلا في جلد الكلب ، فإنه نجس العين عنده كالخنزير وكذا روي عن الحسن بن زياد ، ثم قول الكرخي : "إلا جلد الإنسان " جواب ظاهر قول أصحابنا ، وروي عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ ; لعموم الحديث ، والصحيح أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ ، وأما جلد الفيل فذكر في "العيون " عن محمد أنه لا يطهر بالدباغ ، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يطهر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية