صفحة جزء
2717 2718 2719 2720 ص: وقالوا : قد روى هذا الحديث جماعة من أهل البيت على غير ما رواه الذين احتججتم بروايتهم ، فمن الذي روي في ذلك : ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - : " أن أبا بكر - رضي الله عنه - استأذن على النبي - عليه السلام - ورسول الله - عليه السلام - لابس مرط أم المؤمنين ، فأذن له فقضى إليه حاجته ثم خرج ، فاستأذن عليه عمر - رضي الله عنه - وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم خرج ، فاستأذن عليه عثمان - رضي الله عنه - فاستوى جالسا وقال لعائشة : اجمعي عليك ثيابك ، فلما خرج قالت له عائشة : ما لك لم تفزع لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان ؟! فقال : إن عثمان رجل كثير الحياء فلو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يبلغ في حاجته " .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، قال : ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - عليه السلام - حدثنا محمد بن عبد العزيز الأيلي ، قال : ثنا سلامة بن روح ، قال : ثنا عقيل ، قال : حدثني ابن شهاب ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد بن العاص ، أن سعيد بن العاص أخبره : " أن أبا بكر استأذن على رسول الله - عليه السلام - . . . ثم ذكر مثله . [ ص: 201 ] حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن يحيى بن سعيد بن العاص ، أن سعيد بن العاص أخبره : "أن عائشة زوج النبي - عليه السلام - وعثمان حدثناه : " أن أبا بكر استأذن على النبي - عليه السلام - . . . ثم ذكر مثله .

فهذا أصل هذا الحديث ، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلا .


ش: أي قال أهل المقالة الثانية في جواب الحديث المذكور ملخصه أن يقال : إن الحديث المذكور على هذا الوجه غريب ; لأن جماعة من أهل البيت رووه على غير الوجه المذكور ، وليس فيه ذكر كشف الفخذين ، فحينئذ لا تثبت به الحجة .

وقال أبو عمر : الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب .

وقال البيهقي : قال الشافعي : والذي يروى في قصة عثمان - رضي الله عنه - من كشف الفخذين مشكوك فيه ، وقال الطبري في كتاب "تهذيب الآثار " : الأخبار التي رويت عن النبي - عليه السلام - أنه دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد ، لا تثبت بمثلها حجة في الدين ، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح .

ثم إنه أخرج حديث أهل البيت من أربعة أوجه طرقها صحاح ورجالها ثقات :

الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط البصري ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أبيه سعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي المدني الصحابي ، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنهما - .

وأخرجه أحمد في "مسنده " : عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن يحيى بن سعيد بن العاص ، عن عائشة قالت : "استأذن أبو بكر على رسول الله - عليه السلام - وأنا معه في مرط واحد ، قالت : فأذن له فقضى إليه حاجته وهو معي في المرط ، ثم [ ص: 202 ] خرج ، ثم استأذن عليه عمر فأذن له فقضى حاجته على تلك الحال ثم خرج ، ثم استأذن عليه عثمان فأصلح عليه ثيابه ، وجلس فقضى إليه حاجته ثم خرج ، فقالت عائشة : قلت : يا رسول الله ، استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته على حالك تلك ، ثم استأذن عمر عليك فقضى إليك حاجته على حالك ، ثم استأذن عليك عثمان فكأنك احتفظت ؟! فقال : إن عثمان رجل حيي ، وإني لو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يقضي إلي حاجته " .

قوله : "ورسول الله - عليه السلام - لابس مرط أم المؤمنين " جملة اسمية وقعت حالا ، و "المرط " بكسر الميم وسكون الراء : كساء من صوف ، وربما كان من خز ، والمراد من "أم المؤمنين " ها هنا عائشة - رضي الله عنها - .

قوله : "ما لك لم تفزع لأبي بكر " من قولهم فزعت لمجيء فلان إذا تأهبت له متحولا من حال إلى حال ، كما ينتقل النائم من حال النوم إلى حال اليقظة .

ورواه بعضهم بالراء والغين المعجمة من الفراغ والاهتمام ، والأول أكثر ، وهو أن يكون بالزاي والعين المهملة ، وهو في الأصل من الفزع الذي هو الخوف ، ثم استعمل في معاني كثيرة بحسب الحال ، وذلك كما في الحديث : "لقد فزع أهل المدينة ليلا ، فركب رسول الله - عليه السلام - فرسا لأبي طلحة " . أي استغاثوا وكما في حديث الكسوف : "فافزعوا إلى الصلاة " . أي الجئوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث ، وكما جاء في صفة علي - رضي الله عنه - : "فإذا فزع فزع إلى ضرس حديد " . أي إذا [ ص: 203 ] استغيث به التجأ ، وكما في حديث آخر : "ألا أفزعتموني " . أي أنبهتموني ونحو ذلك وذكره صاحب "الدستور " في باب : فعل يفعل ، بكسر العين في الماضي ، وفتحها في الغابر ثم قال : فزع : خاف ، وفزع إليه : التجئ ، وفزع له : أغاثه .

الثاني : عن ابن مرزوق أيضا ، عن عثمان بن عمر أيضا ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبيه سعيد بن العاص ، عن عائشة ، عن النبي - عليه السلام - .

وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث ابن شهاب . . . إلى آخره نحوه .

الثالث : عن محمد بن عزيز بن عبد الله الأيلي ، عن سلامة بن روح بن خالد بن عقيل الأيلي ، عن عقيل -بضم العين ، وفتح القاف- ابن خالد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبيه سعيد بن العاص أخبره ، أن أبا بكر - رضي الله عنه - .

الرابع : عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل -بالضم- بن خالد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن العاص ، عن عائشة وعثمان - رضي الله عنهما - .

وأخرجه مسلم : ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، قال : ثنا أبي ، عن جدي ، قال : أنا عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن يحيى بن سعيد بن العاص ، أن سعيد بن العاص أخبره ، أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - عليه السلام - وعثمان - رضي الله عنه - حدثاه : "أن أبا بكر استأذن على رسول الله - عليه السلام - وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان ثم [ ص: 204 ] استأذنت عليه فجلس ، وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك ، فقضيت إلي حاجتي ثم انصرفت ، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : يا رسول الله ، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان ؟! قال : قال رسول الله - عليه السلام - : إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته " .

قوله : "فهذا أصل هذا الحديث ، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلا " .

فإن قيل : قد روى مسلم في "صحيحه " ، وأبو يعلى في "مسنده " والبيهقي في "سننه " هذا الحديث ، وفيه ذكر كشف الفخذين .

فقال مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر -قال : يحيى بن يحيى أخبرنا وقال : الآخرون- ثنا إسماعيل - يعنون- بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء وسليمان ابني يسار ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن عائشة قالت : "كان رسول الله - عليه السلام - مضطجعا في بيته ، كاشفا عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله - عليه السلام - وسوى ثيابه -قال محمد : ولا أقول ذلك في يوم واحد- فدخل فتحدث ، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك ؟! فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟! " .

قلت : لما أخرجه البيهقي قال : لا حجة فيه ، وقال الشافعي : إن هذا مشكوك فيه ، وذلك لأن الراوي قد قال : "عن فخذيه أو ساقيه " فدل ذلك على ما قاله الطحاوي : إن أصل الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين . [ ص: 205 ] قال أبو عمر : هذا حديث مضطرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية