صفحة جزء
2748 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى : أن حديث ابن عيينة الذي ذكرناه في أول هذا الباب قد رواه عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - يمشون أمام الجنازة " فصار في ذلك خبرا عن ابن عمر عمار رأي أي رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر يفعلونه في ذلك ، وقد يجوز أن يكون كانوا يفعلون شيئا وغيره عندهم أفضل منه للتوسعة ; كما قد توضأ رسول الله - عليه السلام - مرة مرة والوضوء مرتين مرتين أفضل منه ، والوضوء ثلاثا ثلاثا أفضل من ذلك كله ولكنه فعل ما فعل من ذلك للتوسعة . [ ص: 244 ] ثم قد خالف ابن عيينة في إسناده في هذا الحديث كل أصحاب الزهري غيره ، فرواه مالكا عن الزهري ، قال : " كان رسول الله - عليه السلام - يمشي أمام الجنازة " ، فقطعه ، ثم رواه عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، قال : " كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة . " هذا معناه ، وإن لم يكن لفظه كذلك ; لأن أصل حديثه إنما هو عن سالم ؛ قال : "كان عبد الله بن عمر يمشي أمام الجنازة ، وكذلك كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان " فصار هذا الكلام كله في هذا الحديث إنما هو عن سالم لا عن ابن عمر ، فصار حديثا منقطعا .

وفي حديث يحيى بن أيوب ، عن عقيل : ، "كذلك السنة في اتباع الجنائز " زيادة على ما في حديث الليث 5 وسلامة ، عن عقيل : فكذلك أيضا لا حجة فيه ; لأنه إنما هو من كلام سالم ، أو من كلام الزهري . ، وقد روي عن ابن عمر خلافه مما سنرويه في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .


ش: أي وكان من الحجة والبرهان لهؤلاء الآخرين كل أهل المقالة الأولى : أن حديث سفيان بن عيينة . . . إلى آخره ، وهذا جواب عن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى .

وملخصه من وجهين .

أحدهما : أن ما رواه الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة " لا يدل على أن هذا أفضل من المشي خلفها ; لأنه قد يجوز أن يكون كانوا يفعلون شيئا والحال أن غيره كان أفضل منه عندهم ، ولكن إنما فعلوه لأجل التوسعة على الناس ، كما في الوضوء فإن النبي - عليه السلام - توضأ مرة مرة والحال أن التوضؤ مرتين مرتين أفضل منه ، وتوضأ مرتين مرتين والحال أن التوضؤ ثلاثا ثلاثا أفضل منه ، وإنما فعل ذلك توسعا لأمته وترفها لهم .

والآخر : وهو الذي أشار إليه بقوله : "ثم قد خالف ابن عيينة . . . إلى آخره ، وهو ظاهر . [ ص: 245 ] وحاصله : أن أصل الحديث منقطع معضل فلا تقوم به الحجة ، على أنه روي عن ابن عمر ما يخالف هذا على ما يجيء إن شاء الله تعالى .

فإن قيل : قد قال الترمذي : روى هذا الحديث ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه نحو حديث ابن عيينة .

قلت : وكذلك قال : رواه معمر ويونس بن يزيد ومالك بن أنس وغيرهم من الحفاظ عن الزهري : "أن النبي - عليه السلام - . . . . " فذكر الحديث ، ثم قال : وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح ، وسمعت يحيى بن موسى يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قال ابن المبارك : حديث الزهري في هذا مرسلا أصح من حديث ابن عيينة وأرى ابن جريج أخذه من ابن عيينة .

ثم أخرجه الترمذي : عن [محمد بن مثنى ، عن محمد بن بكر] ، ثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : "كان النبي - عليه السلام - يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان " . قال الترمذي : وسألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال : أخطأ فيه محمد بن [بكر] وإنما يروى هذا عن يونس ، عن الزهري : "أن النبي - عليه السلام - وأبا بكر كانوا يمشون أمام الجنازة " .

وقال النسائي : هذا حديث خطأ ، وهم فيه ابن عيينة ، وخالفه مالك فرواه عن الزهري مرسلا ، وهو الصواب .

قال : وإنما أتي عليه فيه من جهة أن الزهري رواه عن سالم عن أبيه : "أنه كان يمشي أمام الجنازة " قال : "وكان النبي - عليه السلام - وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " فقوله : "وكان النبي - عليه السلام - . . . " إلى آخره من كلام الزهري لا من كلام ابن عمر ، قال [ ص: 246 ] ابن المبارك : الحفاظ عن الزهري ثلاثة : مالك ، ومعمر ، وابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان منهم على قول أخذنا به وتركنا قول الآخر . انتهى .

وقال أحمد بن حنبل : هذا الحديث عن الزهري : أن رسول الله - عليه السلام - مرسل ، وحديث سالم : فعل ابن عمر ، وحديث ابن عيينة كأنه وهم فيه .

فإن قيل قال المنذري : وقد قيل : إن ابن عيينة من الحفاظ الأثبات ، وقد أتى بزيادة على من أرسل فوجب تقديم قوله ، على أن ابن عيينة قد تابعه على رفعه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد ، وقال البيهقي : ومن وصله واستقر على وصله ولم يختلف عليه فيه -وهو سفيان بن عيينة - ثقة حجة .

قلت : الجواب عن هذا ما قاله ابن المبارك ، وقد ذكرناه .

فإن قيل : قال أبو عمر : وقد رواه بعض أصحاب مالك عن مالك موصولا ، فحينئذ يكون مالك وابن عيينة متفقين على الوصل ; فينبغي أن يؤخذ به دون قول معمر في القطع .

قلت : قال أبو عمر نفسه الصحيح عن مالك : الإرسال ، وإن كان روى عنه بعض أصحابه موصولا ، وقال الخليلي : أسنده يحيى بن صالح الوحاظي ، عن مالك ، وهو وإن كان ثقة فلا يتابع على هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية