صفحة جزء
6 ص: وقد حكي هذا القول الذي ذكرناه في بئر بضاعة عن الواقدي ، حدثنيه أبو جعفر أحمد بن أبي عمران ، عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي : : أنها كانت كذلك.


ش: أشار به إلى القول المحكي عن القوم الذين قالوا: إنها كانت طريقا للماء إلى البساتين.

قوله: "حدثنيه" أي هذا القول.

أبو جعفر أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى الفقيه البغدادي وثقه ابن يونس .

ومحمد بن شجاع الثلجي -بالثاء المثلثة وبالجيم في آخره- من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي وقد شنع عليه أصحاب الحديث تشنيعا عظيما، وقال في التهذيب: كان فقيه أهل الرأي في وقته وصاحب التصانيف. ونقل ابن الجوزي عن ابن عدي أنه كان يضع أحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بها.

قلت: من جملة تصانيفه كتاب "الرد على المشبهة" فكيف يصح هذا عنه، وكان دينا صالحا عابدا .

[ ص: 69 ] واسم الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي أبو عبد الله المدني قاضي بغداد أحد مشايخ الشافعي .

فإن قلت: قد قيل: إن المدينة لم يكن بها ماء جار على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وأما عين الزرقا وعيون حمزة - رضي الله عنه - فحدثت بعد ذلك، وبئر بضاعة كان نبعا غير جار وهي باقية إلى اليوم شرقي المدينة بدار بني ساعدة .

قلت: يرد هذا ما رواه الطحاوي عن الوليد بن علي أنه يحتمل أن يكون مراد هذا القائل: إن المدينة لم يكن بها ماء جار. الجاري على وجه الأرض مثل النهر، وبئر بضاعة كان ماؤها جاريا تحت الأرض كالقنوات التي تجري تحت الأرض.

فإن قلت: قال البيهقي : "زعم أبو جعفر الطحاوي أن بئر بضاعة كان طريقا للماء إلى البساتين فكان الماء لا يستقر فيها، وحكاه عن الواقدي ، ومحمد بن عمر الواقدي لا يحتج بروايته فيما يسنده فكيف فيما يرسله؟! ضعفه يحيى بن معين ، وكذبه أحمد بن حنبل ، وقال البخاري : محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث. ثم أسند عن الشافعي أنه قال: كتب الواقدي كذب".

قلت: هذا تحامل من البيهقي على الطحاوي ; لأنه حكى عنه أن بئر بضاعة كانت كذلك، وهو إنما أخبر عن مشاهدة؛ لأنه من أهل المدينة وهو أخبر بحالها وحال أماكنها من غيره، وليس فيه إسناد حديث ولا إرساله حتى يشنع عليه هذا التشنيع، فما للواقدي لا يحتج بكلامه في مثل هذا وقد طبق شرق الأرض وغربها ذكره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم كما ذكره الخطيب ، وقال إبراهيم بن جابر الفقيه سمعت الصاغاني وذكر الواقدي فقال: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه. وحدث عنه أربعة أئمة كبار: أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو خيثمة ورجل [ ص: 70 ] آخر. ويمكن أن يكون هو الشافعي ؛ لأنه روى عنه، وقال مصعب الزبيري الواقدي ثقة مأمون. وقال أبو عبيد : الواقدي ثقة.

ورواية الطحاوي عن الثلجي عن الواقدي دليل على أنهما مرضيان عنده، ولا يلزمه تضعيف غيره إياهما على ما عرف.

التالي السابق


الخدمات العلمية