صفحة جزء
2877 2878 2879 2880 2881 2882 ص: وكان من الحجة لهم على مخالفيهم : أن الذي في حديث جابر إنما هو أن النبي - عليه السلام - لم يصل عليهم ، فقد يجوز أن يكون تركه ذلك لأن سنتهم أن لا يصلى عليهم كما كان من سنتهم أن لا يغسلوا ، ويجوز أن يكون لم يصل عليهم وصلى عليهم غيره ; لما كان به حينئذ من ألم الجراح وكسر الرباعية وما أصابه يومئذ من المشركين .

فإنه حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي حازم ، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن أبي حازم -قال سعيد في حديثه : سمعت سهل بن سعد ، وقال ابن أبي حازم- : عن سهل : " أنه سئل عن وجه رسول الله - عليه السلام - يوم أحد بأي شيء دووي ؟ قال سهل : كسرت البيضة على رأسه ، وكسرت رباعيته ، وجرح وجهه ، وكانت فاطمة - رضي الله عنها - تغسله وكان علي - رضي الله عنه - يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقتها ولصقتها على جرحه فاستمسك الدم . يختلف لفظ ابن أبي حازم 5 وسعيد في هذا الحديث والمعنى واحد " . [ ص: 380 ] حدثنا يونس ، قال : ثنا عبد الله بن نافع ، عن هشام ، عن أبي حازم ، عن سهل : " أن النبي - عليه السلام - أصيب يوم أحد في وجهه بجرح ، وأن فاطمة ابنته - رضي الله عنها - أحرقت قطعة من حصير فجعلته رمادا وألصقته على وجهه ، وقال النبي - عليه السلام - : اشتد غضب الله -عز وجل- على قوم دموا وجه رسول الله - عليه السلام - " .

حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أنا أبو غسان ، قال : حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : " هشمت البيضة على رأس رسول الله - عليه السلام - يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، وجرح وجهه " .

حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أنا خالد بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي - عليه السلام - قال : " اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله - عليه السلام - ، وكانوا قد دموا وجهه يومئذ وهشموا عليه البيضة ، وكسروا رباعيته " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن حشيش ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن أنس - رضي الله عنه - : " أن رسول الله - عليه السلام - كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه ; فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله -عز وجل- ؟! فأنزل الله -عز وجل- : ليس لك من الأمر شيء " .
ش: أي كان من الدليل للأخرين على أهل المقالة الأولى ، وأراد به الجواب عن حديث جابر الذي احتجت به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن ترك النبي - عليه السلام - الصلاة عليهم يومئذ يحتمل وجهين :

الأول : أنه يحتمل أنه - عليه السلام - ترك الصلاة عليهم ; لكون السنة في حقهم ترك الصلاة عليهم كما كانت السنة في حقهم ترك غسلهم فيكون ذلك مخصوصا بهم .

والثاني : يحتمل أن يكون - عليه السلام - لم يصل عليهم لأمر منعه ، ولا يستلزم ذلك نفي صلاة غيره عليهم ، وذلك لكون النبي - عليه السلام - مشغولا بنفسه في ذلك اليوم غير متفرغ [ ص: 381 ] للصلاة عليهم ; لما قد حصل له فيه من ألم الجراحة وكسر رباعيته وما أصابه يومئذ من أذى المشركين .

والدليل على ذلك : ما روي عن سهل بن سعد وأبي هريرة وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - .

أما حديث سهل فأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، واسم أبي حازم سلمة بن دينار المدني ، روى له الجماعة .

وعن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي المدني ، روى له مسلم ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، كلاهما يرويان عن أبي حازم الأعرج الأفزر التمار المدني القاص الزاهد الحكيم روى له الجماعة ، عن سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الساعدي له ولأبيه صحبة .

وأخرجه البخاري : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب ، عن أبي حازم : "أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله - عليه السلام - ، فقال : أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله - عليه السلام - ومن كان يسكب الماء بالمجن ، وبما دووي ، قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - عليه السلام - تغسله ، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة - رضي الله عنها - أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها ، فاستمسك الدم ، وكسرت رباعيته يومئذ ، وجرح وجهه ، وكسرت البيضة على رأسه " .

وأخرجه مسلم : نا يحيى بن يحيى ، قال : نا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه : "أنه سمع سهل بن سعد يسأل عن جرح رسول الله - عليه السلام - يوم أحد ، فقال : جرح وجه رسول الله - عليه السلام - ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، فكانت [ ص: 382 ] فاطمة ابنة رسول الله - عليه السلام - تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسكب عليها بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ، وألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم " .

الثاني : عن يونس أيضا ، عن عبد الله بن نافع الصائغ القرشي المدني ، عن هشام بن سعد المدني ، عن أبي حازم سلمة بن دينار . . . إلى آخره .

وأخرج الطبراني نحوه : ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، ثنا داود بن عمرو الضبي ، ثنا زهرة بن عمرو بن معبد التيمي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : "شهدت النبي - عليه السلام - حين كسرت رباعيته وجرح وجهه وهشمت البيضة على رأسه; وإني لأعرف من يغسل الدم عن وجهه ، ومن ينقل عليه الماء ، وماذا جعل على وجهه حتى رقأ الدم ; كانت فاطمة بنت محمد رسول الله - عليه السلام - تغسل الدم عن وجهه ، وعلي - رضي الله عنه - ينقل الماء عليها في مجنة ، فلما غسلت الدم عن وجه أبيها أحرقت حصيرا حتى إذا صارت رمادا أخذت من ذلك الرماد فوضعته على وجهه حتى رقأ الدم ، ثم قال يومئذ : اشتد غضب الله على قوم كلموا وجه رسول الله ، ثم مكث ساعة ، ثم قال : اللهم اغفر لقومي ; فإنهم لا يعلمون " .

الثالث : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم شيخ البخاري ، عن أبي غسان محمد بن مطرف الليثي المدني نزيل عسقلان ، عن أبي حازم سلمة بن دينار . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن سهل التميمي ، قال : حدثني ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد يعني ابن مطرف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد نحوه .

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عمرو بن عون بن أوس السلمي أبي عثمان الواسطي البزاز روى له [ ص: 383 ] الجماعة ، عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي الطحان روى له الجماعة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى له الجماعة مسلم في المتابعات والبخاري مقرونا بغيره ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

وأما حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فأخرجه أيضا بإسناد صحيح : عن عبد الله بن محمد بن خشيش -بالمعجمات وضم الأول- عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس .

وأخرجه مسلم : عن القعنبي ، عن حماد بن سلمة . . . إلى آخره .

قوله : "بأي شيء دووي " بواوين ، ووقع في بعض النسخ بواو واحدة ، فتكون الأخرى محذوفة كما حذفت من داود وطاوس .

قوله : "البيضة " بفتح الباء ، وهي الخوذة .

قوله : "رباعيته " بفتح الراء ، قال الجوهري : الرباعية مثل الثمانية : السنن الذي بين الثنية والناب ، والجمع : رباعيات .

قوله : "بالمجن " وبكسر الميم ، وهو الترس ، والميم زائدة ; لأنه من الجنة : وهي السترة .

قوله : "هشمت " أي كسرت ، من الهشم وهو الكسر .

قوله : "دموا " بتشديد الميم بمعنى أدموا ، ويروى كذا أيضا .

قوله : "كلموا " أي جرحوا ، من الكلم وهو الجرح ، ومنه اشتقاق الكلام .

قوله : "تسلت الدم " أي تميطه وتمسحه عن خده ، يقال سلتت المرأة خضابها عن يديها إذا ألقت عنها العصم ، والعصم -بضم العين- : بقية كل شيء ، وأثره من القطران والخضاب ونحوهما . [ ص: 384 ] فإن قيل : ممن كان الشج وكسر الرباعية لرسول الله - عليه السلام - ؟ .

قلت : زعم ابن سعد أن عتبة بن أبي وقاص شج النبي - عليه السلام - في وجهه ، وأصاب رباعيته . وزعم السهيلي أن عبد الله بن قمئة هو الذي جرح وجه رسول الله - عليه السلام - .

التالي السابق


الخدمات العلمية