صفحة جزء
2882 2883 2884 ص: فيجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - تخلف عن الصلاة عليهم لألم نزل به ، وصلى عليهم غيره .

وقد حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب حدثه أن أنس بن مالك حدثه : أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم " .

ففي هذا الحديث ما ينفي الصلاة عليهم من رسول الله - عليه السلام - ومن غيره ; فنظرنا في هذا الحديث كيف هو ؟ وهل زيد على ابن وهب فيه شيء ، فإذا ابن مرزوق قد حدثنا ، قال : ثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أنا أسامة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك : " أن رسول الله - عليه السلام - مر يوم أحد بحمزة ، - رضي الله عنه - وقد جدع ومثل به ، فقال : لولا أن تجزع صفية لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع فكفنه في نمرة ، إذا خمر رأسه بدت رجلاه ، وإذا خمر رجليه بدا رأسه ، فخمر رأسه ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وقال : أنا شهيد عليكم يوم القيامة " .

ففي هذا الحديث أن النبي - عليه السلام - لم يصل يومئذ على أحد من الشهداء غير حمزة ، - رضي الله عنه - ، فإنه صلى عليه وهو أفضل شهداء أحد ، فلو كان من سنة الشهداء أن لا يصلى عليهم ، لما صلى على حمزة ، كما لم يغسله ، إذ كان من سنة الشهداء أن لا يغسلوا وصارما في هذا الحديث أن النبي - عليه السلام - صلى على حمزة ، ولم يصل على غيره ، فقد يحتمل أن يكون لم يصل على غيره لشدة ما به مما ذكرنا ، وصلى عليهم غيره من الناس .


ش: لما ذكر أن حديث جابر - رضي الله عنه - يحتمل وجهين ، الثاني منهما : أنه يجوز أن يكون - عليه السلام - ترك الصلاة عليهم لشده الألم الذي نزل به ، وأن هذا لا ينفي صلاة غيره [ ص: 385 ] عليهم ; أورد عليه حديث أنس ; فإنه أخبر فيه أنه لم يصل عليهم ، وهو يقتضي ترك الصلاة عليهم من رسول الله - عليه السلام - ومن غيره ، فلذلك ذكره أولا .

وأخرجه بإسناد صحيح : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس .

وأخرجه الحاكم : عن محمد بن يعقوب ، أبنا ابن عبد الحكم ، أبنا ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد ، أن ابن شهاب حدثه ، أن أنسا حدثه : "أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم " .

وقال : وهو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

ثم أخرج عن أنس أيضا بزيادة على حديثه المذكور تدل على أن المراد من قوله في ذاك الحديث "ولم يصل عليهم " غير حمزة ، فإنه صلى عليه لكونه أفضل شهداء أحد ، ولم يصل على غيره ، لما ذكرنا من أجل شدة الألم الذي نزل به واشتغل به عن الصلاة عليهم ، وهو ما رواه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عثمان بن عمر بن فارس ، عن أسامة بن زيد ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أنس بن مالك . . . إلى آخره .

وإسناده صحيح .

وأخرجه أبو داود : ثنا عباس العنبري ، ثنا عثمان بن عمر ، نا أسامة ، عن الزهري ، عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - مر بحمزة وقد مثل به ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره " .

وقال أيضا : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، نا زيد يعني ابن الحباب . [ ص: 386 ] ونا قتيبة بن سعيد ، نا أبو صفوان يعني المرواني ، عن أسامة ، عن الزهري ، عن أنس المعنى : "أن رسول الله - عليه السلام - مر على حمزة وقد مثل به ، فقال : لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية حتى يحشر من بطونها وقلت الثياب وكثرت القتلى ، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد -زاد قتيبة - ثم يدفنون في قبر واحد ، فكان رسول الله - عليه السلام - يسأل أيهم أكثر قرآنا ؟ فيقدمه إلى القبلة " .

وأخرجه الترمذي وقال : حديث غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه ، وفي حديثه : "لم يصل عليهم " .

وأخرجه الحاكم أيضا : ولفظه : "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره . . . " الحديث .

فإن قيل : ذكر الترمذي في "علله " قال محمد : حديث أسامة عن الزهري عن أنس غير محفوظ ، غلط فيه أسامة .

وقال الدارقطني : تفرد به أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن أنس بهذه الألفاظ ، ورواه عثمان بن عمر ، عن أسامة ، عن الزهري ، عن أنس وزاد فيه حرفا لم يأت به غيره ، فقال : "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره يعني حمزة " .

وقال الدارقطني : لم ينقل هذه اللفظة غير عثمان بن عمر البصري ، فليس بمحفوظ . قلت : أما أسامة بن زيد فقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري ، وأما عثمان بن عمر البصري فقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه ، والزيادة من الثقة مقبولة . والله أعلم . [ ص: 387 ] قوله : "وقد جدع " جملة وقعت حالا من الجدع وهو قطع الأنف أو الأذن أو الشفة والمعنى ها هنا أن رسول الله - عليه السلام - مر يوم أحد على حمزة والحال أنه وجده وهو مقطوع الأنف .

قوله : "ومثل به " من مثلت بالحيوان أمثل مثلا -بالسكون- إذا قطعت أطرافه وشوهت به ، ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم المثلة ومثل بالتشديد للمبالغة وبابه من نصر ينصر .

قوله : "لولا أن تجزع صفية " وهي أخت حمزة ، عمة النبي - عليه السلام - بنت عبد المطلب ، وهي أم الزبير بن العوام ، ولم يسلم من عمات النبي - عليه السلام - وكن ستا غير صفية ، وقيل : عاتكة أيضا .

قوله : "في نمرة " بفتح النون وكسر الميم ، وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب وجمعها نمار ، كأنها أخذت من لون النمر ، لما فيها من السواد والبياض .

قوله : "إذا خمر " أي غطى ، ومنه الخمار لتغطيته الرأس ، والخمر لتغطيته العقل .

قوله : "حتى تأكله العافية " أي السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها ، وتجمع على العوافي ، وقال ابن الأثير : العافية والعافي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر ، وجمعهما العوافي وقد تقع العافية على الجماعة ، يقال : عفوته واعتفيته أي أتيته أطلب معروفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية