صفحة جزء
2955 [ ص: 477 ] ص: كتاب الزكاة


ش: أي هذا كتاب في أحكام الزكاة ، وجه المناسبة بين الكتابين : أن الزكاة ثالثة الإيمان وثانية الصلاة في الكتاب والسنة ، قال : الله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون وقال - عليه السلام - : "بني الإسلام على خمس . . . " الحديث .

والزكاة لغة : النماء . يقال : زكى الزرع ، إذا نمى ، وفي "المحكم " : الزكاء ممدود النماء ، والريع يقال : زكى يزكو زكاء وزكوا وأزكى ، والزكاء : ما أخرجته الأرض من الثمر ، والزكاة : الصلاح ، ورجل زكي من قوم أزكياء ، وقد زكى زكاء ، والزكاة : ما أخرجته من مالك ; لتطهره ، وقال أبو علي : الزكاة صفوة الشيء ، وفي "الجامع " : زكت النفقة أي بورك فيها . وقال ابن العربي -في كتابه "المدارك"- : تطلق الزكاة على الصدقة أيضا وعلى الحق والنفقة والعفو ، ويقال : الزكاة عبارة عن الطهارة ، قال الله تعالى : قد أفلح من تزكى أي تطهر ، ومعناها الشرعي : إيتاء جزء من النصاب الحولي إلى الفقير الغير هاشمي .

ثم لها ركن وسبب وشرط وحكم وحكمة .

فركنها : جعلها الله تعالى بالإخلاص .

وسببها : المال .

وشرطها نوعان : شرط السبب ، وشرط من تجب عليه ، فالأول ملك النصاب النامي الحولي ، والثاني العقل والبلوغ والحرية . [ ص: 478 ] وحكمها : سقوط الواجب في الدنيا ، وحصول الثواب في الآخرة .

وحكمتها : كثيرة منها : التطهر عن دنس الذنوب والبخل ، ومنها ارتفاع الدرجة والقربة ، ومنها الإحسان إلى المحتاجين ، ومنها استرقاق الأحرار ، فإن الإنسان عبد للإحسان .

وقال ابن المنذر : انعقد الإجماع على فرضية الزكاة ، وهي الركن الثالث للإسلام قال - عليه السلام - : "بني الإسلام على خمس " ، وفيه قال : "وإيتاء الزكاة " وقال ابن بطال : فمن جحد واحدة من هذه الخمس فلا يتم إسلامه ، ألا ترى أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة . وقال ابن الأثير : من منعها منكرا وجوبها فقد كفر ، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام ، ولم يعلم وجوبها .

وقال أبو الفتح القشيري : من جحدها كفر ، وأجمع العلماء أن مانعها تؤخذ قهرا منه ، وإن نصب الحرب دونها قتل ، كما فعل أبو بكر - رضي الله عنه - بأهل الردة .

وفي "المغني " : فمن أنكر وجوبها جهلا به ، وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام ، وإما أنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرف وجوبها ولم يحكم بكفره ; لأنه معذور ، وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم ، فهو مرتد تجرى عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل وإن منعها معتقدا وجوبها وقدر الإمام على أخذها منه أخذها وعزره ، ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر أهل العلم منهم : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم ، وكذلك إن غل ماله فكتمه حتى لا يأخذ الإمام زكاته فظهر عليه ، وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز : يأخذها وشطر ماله ، وإذا كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - [ ص: 479 ] قاتلوا مانعيها ، فإن ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة أيضا ولم يسب ذريته ; لأن الجناية من غيرهم ، وإن ظفر به دون ماله دعاه إلى أدائها واستتابه ثلاثا ، فإن تاب وأدى وإلا قتل ولم يحكم بكفره ، وعن أحمد ما يدل على أنه يكفر بقتاله عليها ، فروي عنه : إذا منعوا الزكاة كما منعوا أبا بكر - رضي الله عنه - وقاتلوا عليها لم يورثوا ولم يصل عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية