صفحة جزء
2971 ص: حدثنا فهد ، قال : ثنا يوسف بن بهلول ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي . . . وذكر حديثا طويلا ذكر فيه : " أنه كان عبدا قال : فلما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله - عليه السلام - وهو بقباء -فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه- فقلت له : إنه بلغني أنه ليس بيدك شيء وأن معك أصحابا لك ، وأنتم أهل حاجة وغربة ، وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة ، فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق به ، ثم وضعته له ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلوا وأمسك هو ، ثم أتيته بعد أن تحول إلى المدينة وقد جمعت شيئا ، فقلت : رأيتك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شيء أحببت أن أكرمك به كرامة ليس بصدقة ، فأكل وأصحابه " .


ش: إسناده صحيح . [ ص: 514 ] ويوسف بن بهلول التميمي أبو يعقوب الأنباري نزيل الكوفة ، شيخ البخاري وأحد أصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - .

وعبد الله بن إدريس بن يزيد الزعافري الكوفي شيخ أحمد وابن أبي شيبة ، روى له الجماعة .

ومحمد بن إسحاق المدني ، روى له الجماعة ، البخاري مستشهدا ومسلم في المتابعات .

وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري الظفري ، روى له الجماعة .

ومحمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأنصاري ، ولد في حياة النبي - عليه السلام - ولم تصح له رؤية ولا سماع من النبي - عليه السلام - ، وعن البخاري أن له صحبة .

وأخرجه أحمد في "مسنده " مطولا جدا : ثنا يعقوب ، نا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - ، حدثني سلمان الفارسي قال : "كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان ، من أهل قرية منها يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه ، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار [الذي] يوقدها لا يتركها تخبو ساعة . قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، قال : فشغل في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم وعن ضيعتي فاذهب فاطلعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم ، وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، قال : فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي ولم آتها [ ص: 515 ] فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله . قال : فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال : قلت : يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه . قال : قلت : كلا والله إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته . قال : وبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم . قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، قال : فأخبروني بهم . قال : فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة ، قال : فجئته فقلت : إني رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك . قال : فادخل ، فدخلت معه قال : فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه منها أشياء كثيرة اكتنزها لنفسه ولم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق . قال : وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا ، قالوا : وما علمك بذلك ؟ قال : قلت : أنا أدلكم على كنزه ، قالوا : فدلنا عليه ، قال : فأريتهم موضعه ، قال : فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، قال : فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا ، قال : فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ، ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه ، قال : فأحببته حبا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان إني كنت [ ص: 516 ] معك ، وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك ، وقد جاءك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي به وما تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل ، وهو فلان فهو على ما كنت عليه ، فالحق به ، قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره ، قال : فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم يلبث إلى أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، قال : فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين [وهو فلان فالحق به ، قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين] ، فجئته فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، قال : فأقم عندي ، فأقمت عنده ووجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبثت أن نزل به الموت ، فلما حضر قلت له : يا فلان ، إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فإنه على أمرنا ، قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري ، فقال : أقم عندي ، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم ، قال : واكتسبت حتى صارت لي بقرات وغنيمة ، قال : ثم نزل به أمر الله -عز وجل- ، فلما حضر قلت : يا فلان ، إني كنت مع فلان ، فأوصى بي فلان إلى فلان ، وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ، وأوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي وما تأمرني ؟ قال : يا بني ، والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي ، هو مبعوث بدين إبراهيم - عليه السلام - يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين [ ص: 517 ] حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ، قال : ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجارا ، فقلت لهم : تحملوني إلى ، أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ؟ قالوا : نعم فأعطيتموها وحملوني ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا ، فكنت عنده ورأيت النخل ، ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي ، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ، فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث الله رسوله - عليه السلام - ، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال فلان : قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لمجمعون على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعم أنه نبي قال : فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي ، قال : ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ماذا تقول ؟ قال : فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك . قال : قلت : لأي شيء ؟ إنما أردت أن أستثبته عما قال ، وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله - عليه السلام - وهو بقباء ، فدخلت عليه فقلت : إنه بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم . قال : فقربته إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : كلوا ، وأمسك يده فلم يأكل ، قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله - عليه السلام - إلى المدينة ، ثم جئت به ، فقلت : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ، قال : فأكل رسول الله - عليه السلام - منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه ، قال : فقلت في نفسي : هاتان اثنتان ، قال : ثم جئت رسول الله - عليه السلام - وهو ببقيع الغرقد قال : وقد تبع جنازة [ ص: 518 ] من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره ، وهل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله - عليه السلام - استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، قال فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفت ، فانكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله - عليه السلام - : تحول ، فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله - عليه السلام - أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله - عليه السلام - بدر وأحد ، قال : ثم قال لي رسول الله - عليه السلام - : كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجبيها له بالفقير وبأربعين أوقية ، فقال رسول الله - عليه السلام - لأصحابه : أعينوا أخاكم ، فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية ، والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية ، فقال لي رسول الله - عليه السلام - : اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ، قال : ففقرت لها وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله - عليه السلام - معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله - عليه السلام - بيده ، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة ، فأديت النخل وبقي علي المال ، فأتى رسول الله - عليه السلام - بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي ، فقال : ما فعل الفارسي ؟ قال : فدعيت له ، فقال : خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان ، قال : فقلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك ، قال : فأخذتها فوزنت لهم منها -والذي نفس سليمان بيده- أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم وعتقت ، وشهدت مع رسول الله - عليه السلام - الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد " .

قوله : "جي " بالجيم المكسورة والمفتوحة .

قوله : "قطن النار " أي : خازن النار .

قوله : "لا تخبو ساعة " أي : لا يتركها تسكن ساعة . [ ص: 519 ] قوله : "الأسقف " من السقيفى كالخليفة من الخليفى وهي مرتبة من قبل الملك ، والسقيف في اللغة : طول في انحناء ، ويحتمل أن يسمى أسقفا لخضوعه وانحنائه .

قوله : "سبع قلال " جمع قلة -بضم القاف- وهي معروفة .

قوله : "بين حرتين " تثنية حرة -بفتح الحاء المهملة- وهي الأرض ذات الحجارة السود .

قوله : "عذق " بفتح العين وسكون الذال : النخلة .

قوله : "العرواء " بضم العين المهملة وفتح الراء وهي الحمى النافض ، والبرحاء : الحمى الصالب ، والرحضاء : الحمى الذي يأخذ بالعرق ، والمطواء : الذي يأخذ بالتميل ، والثوباء : الذي يأخذ بالتثاؤب .

قوله : "بالفقير " بالفاء ثم القاف ، قال ابن الأثير : فقير النخلة حفرة تحفر للفسيلة إذا حولت لتغرس فيها .

"والودية " : بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء آخر الحروف : إذا خرجت النخلة من النواة فهي غريسة ، ثم يقال لها : ودية ثم فسيلة ثم إشاءة .

قوله : "ففقر لها " أي : حفر لها ، وكذا معنى قوله : "ففقرت لها " أي : حفرت لها ، ومادة هذه الكلمة بتقديم الفاء على القاف كما قلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية