صفحة جزء
3005 3006 3007 ص: واحتج أهل المقالة الأولى لمذهبهم أيضا بما حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي ، قال :

[ ص: 15 ] حدثني رجلان من قومي : "أنهما أتيا النبي - عليه السلام - وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع البصر وخفضه ، فرآهما جلدين قويين فقال : إن شئتما ، فعلت ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، والليث بن سعد ، عن هشام بن عروة . . . فذكر بإسناده مثله .

حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد وهمام ، عن هشام . . . فذكر بإسناده مثله .

فقالوا : فقد قال لهما : "لا حق فيها لقوي مكتسب " .

فدل ذلك على أن القوي المكتسب لا حظ له في الصدقة ولا تجزي من أعطاه منها شيئا .


ش: أي : احتج أهل المقالة الأولى لما ذهبوا إليه أيضا بما رواه عبيد الله بن عدي عن رجلين من الصحابة - رضي الله عنهم - .

وأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

الأول : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث القرشي الكوفي روى له الجماعة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي أحد التابعين الكبار المولودين في زمن النبي - عليه السلام - ، عن رجلين من الصحابة .

وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخبرني رجلان : "أنهما أتيا النبي - عليه السلام - في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ، فقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .

[ ص: 16 ] الثاني : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث المصري والليث بن سعد ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي .

وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث ابن عيينة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي . . . إلى آخره نحوه .

وأخرجه النسائي أيضا .

الثالث : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن الحجاج بن منهال الأنماطي ، عن حماد بن سلمة وهمام بن يحيى ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي .

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا عبد الرحيم وابن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال : "أخبرني رجلان أتيا النبي - عليه السلام - يسألانه من الصدقة ، قال : فرفع البصر وصوبه ، فقال : إنكما لجلدان ، فقال : إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب " .

قوله : "جلدين " . بفتح الجيم وسكون اللام تثنية جلد ، وهو الرجل القوي ، من الجلد -بفتح اللام- وهو القوة والصبر ، تقول منه : جلد الرجل -بالضم- فهو جلد وجليد بين الجلد والجلادة والجلودة .

قوله : "فقالوا" أي : أهل المقالة الأولى ، "فقد قال" أي : النبي - عليه السلام - "لهما" أي لهذين الرجلين "لا حق فيها" أي في الصدقة "لقوي مكتسب " ، فدل على أنه لا حظ له في الصدقة وأن من عليه الصدقة إذا أعطاه منها شيئا لا يجزئه ذلك .

وقال الخطابي : هذا الحديث أصل في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم ، وفيه أنه لم يعتبر في منع الزكاة ظاهر القوة والجلد دون أن يضم إليه الكسب

[ ص: 17 ] فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة الكسب ، وقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل ، فمن كان هذا سبيله لم يمنع الصدقة ، بدلالة الحديث ، وقد استظهر - عليه السلام - مع هذا في أمرهما بالإنذار ، وقلدهما الأمانة فيما بطن من أمرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية