صفحة جزء
3015 3016 3017 ص: وقد روى سمرة - رضي الله عنه - ، مثل ذلك عن رسول الله - عليه السلام - .

[ ص: 33 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، قال : سمعت سمرة بن جندب ، عن النبي - عليه السلام - قال : "المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ، أو يسأل [في] أمر لا يجد منه بدا " .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، قال : ثنا شعبة . . . فذكر بإسناده مثله .

حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

قال أبو جعفر -رحمه الله- : فقد أباح هذا الحديث المسألة في كل أمر لا بد من المسألة فيه ، فدخل في ذلك ما أبيحت فيه المسألة في حديث قبيصة ، وزاد هذا الحديث عليه ما سوى ذلك من الأمور التي لا بد منها ، وفي ذلك إباحة المسألة بالحاجة الخاصة لا بالزمانة .


ش: أي : قد روى سمرة بن جندب - رضي الله عنه - حديث قبيصة بن المخارق في دلالته على عدم تقييد جواز السؤال بزمانة ونحوها ، بل زاد سمرة في حديثه على حديث قبيصة ، فإن حديثه أباح المسألة في كل أمر لا يجد منه بدا ، فقد دخل فيه ما في حديث قبيصة وزاد عليه ما هو من الأمور التي لا بد منها ، وفي هذا أيضا إباحة السؤال بالحاجة خاصة لا بالزمانة ونحوها ، فافهم .

ثم إنه أخرج حديث سمرة من ثلاث طرق صحاح :

الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي الكوفي ، عن زيد بن عقبة الفزاري وثقه العجلي والنسائي وابن حبان ، وروى له أبو داود والنسائي والترمذي .

عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - .

[ ص: 34 ] وأخرجه أبو داود : ثنا حفص بن عمر النمري ، ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير . . . إلى آخره نحوه سواء .

وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق أيضا ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير . . . إلى آخره .

وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا وكيع ، نا سفيان وابن جعفر ، قالا : نا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "إن هذه المسائل كد يكد بها أحدكم وجهه ، وقال ابن جعفر : كدوح يكدح بها الرجل إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا بد منه " .

وأخرجه النسائي أيضا .

الثالث : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن منصور الخراساني ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي ، روى له الجماعة .

وأخرجه الطبراني في "الكبير " : ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا عارم أبو النعمان ، ثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "هذه المسائل كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بدا " .

[ ص: 35 ] قوله : "المسائل " مبتدأ ، وخبره قوله : "كدوح " . أي : كدوح في وجهه ، كما في حديث آخر : "جاءت مسألته كدوحا في وجهه " .

فإن قيل : كيف تكون عين المسائل كدوحا ؟

قلت : التقدير : المسائل جالبة للكدوح ، فلما كانت المسائل جالبة للكدوح قطعا جعلت عين الكدوح للمبالغة ، كما في قولهم : رجل عدل .

والكدوح : جمع كدح ، وهو كل أثر من خدش أو عض ، ويجوز أن يكون مصدرا سمي به الأثر ، فعلى هذا تقدير الكلام : المسائل كادحة ، ذكر المصدر وأريد به الفاعل للمبالغة .

فإن قيل : ما معنى تخصيص الوجه بالذكر من بين سائر الأعضاء ؟

قلت : لأن السائل أول ما يستقبل بوجهه فلذلك اختص بهذا الفعل ; ولأن الكدوح في الوجه أبشع وأفظع .

قوله : "إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان " أي : ذا يد وقوة ، مثل الخلفاء والملوك ومن يلي من جهتهم .

قوله : "لا يجد منه بدا " أي : فراقا أراد أمرا لا يستغني عنه .

ويستفاد منه : حرمة السؤال لغير الحاجة والضرورة ، وأنه حرام وعذاب يوم القيامة .

وجواز السؤال من ذي سلطان وإن كان غنيا .

قال الخطابي : وهو أن يسأل حقه من بيت المال الذي في يده ، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أموال الناس .

قلت : اللفظ عام ، يدل على أن الرجل إذا سأل سلطانا ومن في معناه يباح له ذلك ،

[ ص: 36 ] سواء كان حقه من بيت المال أو من غيره بعد أن يعرف أن غالب أمواله من وجه حل ، وكذلك يجوز قبول هدية السلاطين والأمراء إذا كان غالب أموالهم حلالا .

وأما إذا كان غالب أموالهم حراما أو كلها لا يجوز السؤال منهم ولا قبول هديتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية