صفحة جزء
3043 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به لقولهم من قول رسول الله - عليه السلام - : "ولم ينس حق الله فيها " أنه قد يجوز أن يكون ذلك حقا سوى الزكاة ، فإنه قد روي عن رسول الله - عليه السلام - ما حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا شريك بن عبد الله ، عن أبي حمزة ، عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس ، عن النبي - عليه السلام - ، قال : " في المال حق سوى الزكاة ، وتلا هذه الآية : ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى آخر الآية " .

فلما رأينا المال قد جعل فيه حق سوى الزكاة ، احتمل أن يكون ذلك الحق الذي ذكره رسول الله - عليه السلام - في الخيل هو ذلك الحق أيضا .


ش: أي : وكان من الدليل والبرهان للآخرين على أهل المقالة الأولى في احتجاجهم لوجوب الزكاة في الخيل من قوله - عليه السلام - : "ولم ينس حق الله فيها " ، أنه قد يجوز أن يكون المراد منه حقا سوى الزكاة ; فإنه ورد في الحديث : " أن في المال حقا سوى الزكاة " . وهو ما أخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي حمزة ميمون الأعور ، قال الترمذي : يضعف . عن عامر الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس ، لها صحبة .

[ ص: 85 ] وأخرجه الدارقطني في "سننه " : ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، نا بشر ابن الوليد ، ثنا شريك ، عن أبي حمزة ، عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في المال حقا سوى الزكاة ، ثم تلا هذه الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق الآية " .

وأخرجه الترمذي أيضا نحوه وقال : هذا حديث إسناده ليس بذاك .

قالوا : إذا كان في المال حق سوى الزكاة احتمل أن يكون ذلك الحق الذي ذكره عليه السلام في الخيل هو ذلك الحق دون الزكاة ، ثم اختلفوا في ذلك الحق الذي هو خلاف الزكاة .

فقال قوم : هو إطراق فحلها وإفقار ظهرها والحمل عليها في سبيل الله ، وقد بين ذلك حديث جابر - رضي الله عنه - على ما يأتي عن قريب .

وقال آخرون : هو حسن ملكتها وتعهد شبعها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها .

وقال ابن حزم : وأما الحديث فليس فيه إلا أن لله حقا في رقابها وظهورها غير معين ، ولا مبين للمقدار ، ولا مدخل للزكاة في ظهور الخيل بإجماع منا ومنهم ، فصح أن هذا الحق إنما هو على ظاهر الحديث ، وهو حمل على ما طابت به نفسه منها في سبيل الله ، وعارية ظهورها للمضطر .

وقال ابن الجوزي في "التحقيق " : والجواب عن هذا الحديث من وجهين :

الأول : أن حقها إعارتها وحمل المنقطعين عليها ، فيكون ذلك على وجه الندب .

[ ص: 86 ] والثاني : أن يكون واجبا ثم نسخ بدليل قوله : قد عفوت لكم ، عن صدقة الخيل ; إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم .

قلت : فلأبي حنيفة أن يقول : المراد به صدقة خيل الغزاة وكلامنا في الخيول السائمة ، وأيضا فالذي يكون على وجه الندب لا يطلق عليه حق .

وأما دعوى النسخ فبعيدة ; لأنه لو كان لاشتهر في زمن الصحابة - رضي الله عنهم - ، ولما قرر عمر - رضي الله عنه - الصدقة في الخيل ، وأن عثمان - رضي الله عنه - ما كان يصدقها .

وروى عبد الرزاق : عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي حسين ، أن ابن شهاب أخبره : "أن عثمان - رضي الله عنه - كان يصدق الخيل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية