صفحة جزء
3078 3079 ص: حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن مسلم ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صدقة في شيء من الزرع والكرم حتى يكون خمسة أوسق ، ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم " .

حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا الخصيب ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " .


ش: هذان طريقان صحيحان :

الأول : عن يزيد بن سنان القزاز ، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر - رضي الله عنه - .

وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، نا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة " .

[ ص: 140 ] وأخرجه ابن ماجه : ثنا علي بن محمد ، نا وكيع ، نا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوساق صدقة " .

الثاني : عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر بن عبد الله .

وأخرجه مسلم : ثنا هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي ، قالا : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال : "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " .

قوله : "ولا في الرقة " بكسر الراء وفتح القاف المخففة : الدراهم ، ويقال : الورق بفتح الواو وكسر الراء ، والورق بكسر الواو وسكون الراء ، والورق بفتح الواو وسكون الراء ، والرقة : الدراهم ، وربما سميت الفضة ورقة ، والرقة : الفضة والمال .

وعن ابن الأعرابي : الرقة : الفضة والذهب .

وعن ثعلب : جمع الورق والورق أوراق ، وجمع الرقة رقون ورقين .

وفي "الجامع " : أعطاه ألف درهم رقة يعني لا يخالطها شيء من المال غيرها .

وفي "الغريبين " : الورق والرقة ، الدراهم خاصة ، وأما الورق فهو المال كله .

وقال أبو بكر : الرقة معناها في كلامهم الورق وجمعها رقاة .

وفي "المعرب " : الورق -بكسر الراء- المضروب من الفضة ، وكذا الرقة .

[ ص: 141 ] وفي "المجمل " : الورق الدراهم وحدها ، والورق من المال .

قوله : "حتى تبلغ مائتي درهم " وهو نصاب الفضة .

ثم اعلم أن الدراهم التي كان الناس يتعاملون بها نوعان : نوع عليه نقش فارس ونوع عليه نقش الروم ، وأحد النوعين يقال له : البغلي وهي السود ، الدرهم منها ثمانية دوانيق ، والآخر يقال له : الطبري وهي العتق ، الدرهم منها أربعة دوانيق ، وذكر في بعض شروح "الهداية " : البغلي نسبة إلى ملك يقال له رأس البغل ، والطبري نسبة إلى طبرية ، وقيل : إلى طبرستان .

وقال الخطابي عن بعضهم : لم تزل الدراهم على العيار في الجاهلية والإسلام وإنما غيروا السكك ونقشوها ، وقام الإسلام والأوقية أربعون درهما .

وفي "الأحكام " للماوردي : استقر في الإسلام زنة الدرهم ستة دوانيق ، كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وقيل : إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى الدراهم مختلفة البغلية والطبرية ومنها الغربية ثلاث دوانيق ، ومنها اليمنية دانق واحد ، فأخذ البغلية والطبرية ; لأنهما أغلب في الاستعمال ، فكانا اثني عشر دانقا ، فأخذ نصفها فصار الدرهم ستة دوانيق فجعلها درهما .

وزعم المرغيناني أن الدرهم كان شبيه النواة ، ودور على عهد عمر رضي الله عنه فكتبوا عليه وعلى الدينار : "لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، ثم زاد ناصر الدولة بن حمدان : "- صلى الله عليه وسلم - " فكانت منقبة لآل حمدان ، وذكر الشيخ شهاب الدين القرافي في كتاب "الذخيرة " : أن الدرهم المصري أربعة وستون حبة وهو أكبر من درهم الزكاة ، فإذا أسقطت الزائد كان النصاب من دراهم مصر مائة وثمانين درهما وحبتين .

وفي "فتاوى الفضلي " : تعتبر دراهم كل بلد ودنانيرهم ، ففي خوارزم تجب الزكاة عندهم في مائة وخمسين ، وزن : سبعة .

فعلى هذا من ملك في زماننا مائتي درهم تكون نصابا وإن لم يبلغ وزنها مائة مثقال ولا قيمتها اثني عشر دينارا .

[ ص: 142 ] وذكر أبو عمر : أن أبا عبيد قال : إن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك ، وأنه جمعها برأي العلماء ، وجعل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانيق .

وقال القاضي عياض : ولا تصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي - عليه السلام - وهو يوجب الزكاة في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة . قال : وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء ، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام ، وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم صغارا وكبارا ، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ، ويمنية ومغربية ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه ، وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف ، وأعيانا يستغنى فيها عن الموازين ، فجمعوا أكبرها وأصغرها وصرفوه على وزنهم .

وقال القاضي : ولا شك أن الدراهم كانت معلومة حينئذ وإلا فكيف كانت تتعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد ؟ ! وهكذا كما كانت الأوقية معلومة .

وقال الشيخ محيي الدين : أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف ، وهو أن الدرهم ستة دوانيق ، وكل عشرة سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام .

وروى ابن سعد في كتاب "الطبقات " في ترجمة عبد الملك بن مروان : أنا محمد بن عمر الواقدي ، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : "ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمس وسبعين ، وهو أول من أحدث ضربها ونقش عليها " .

[ ص: 143 ] وقال الواقدي : ثنا خالد بن ربيعة بن أبي هلال ، عن أبيه قال : "كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك بن مروان الدراهم والدنانير اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي ، وكانت العشرة وزن سبعة " . انتهى .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الأموال " في باب الصدقة وأحكامها : "كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام وأرادوا ضرب الدراهم -وكانوا يزكونها من النوعين- فنظروا إلى الدرهم الكبير فإذا هو ثمانية دوانيق ، وإلى الدرهم الصغير فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوهما درهمين سواء ، كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص ، فوجدوا عشرة من هذه الدراهم التي واحدها ستة دوانيق تكون وزان سبعة مثاقيل ، وأنه عدل بين الكبار والصغار ، وأنه موافق لسنة رسول الله - عليه السلام - في الصدقة ، فمضت سنة الدراهم على هذا ، فاجتمعت عليه الأمة ، فلم يختلف أن الدرهم التام ستة دوانيق ، فما زاد أو نقص قيل فيه : زائد وناقص .

والناس في الزكوات على الأصل الذي هو الستة لم يزيغوا عنه ، وكذلك في المبايعات . انتهى .

وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عددا وقت قدوم سيدنا رسول الله - عليه السلام - قال : ويدل عليه قول عائشة - رضي الله عنها - في قصة بريرة : "إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت " تريد الدراهم ، فأرشدهم - عليه السلام - إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة شرفها الله تعالى .

وفي بعض شروح البخاري : واختلف في أول من ضربها ، فقال أبو الزناد : أمر عبد الملك بضربها في العراق سنة أربع وسبعين ، وقال المدائني : بل كان ذلك في آخر سنة خمس وسبعين ، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين ، وقيل : أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم - سنة سبعين ، على ضرب الأكاسرة ، ثم غيرها الحجاج .

[ ص: 144 ] وذكر محمد بن خلف في كتاب "المكاييل " ، عن الواقدي ، عن سعيد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن سابط قال : كان لقريش أوزان في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أقرت على ما كانت عليه الأوقية أربعون درهما ، والرطل اثني عشر أوقية ، فذلك أربعمائة وثمانون درهما ، وكان لهم النش وهو عشرون درهما ، والنواة وهي خمسة دراهم ، وكان المثقال اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة ، وكانت العشرة دراهم وزنها سبعة مثاقيل ، والدرهم خمسة عشر قيراطا ، فلما قدم سيدنا رسول الله - عليه السلام - كان يسمى الدينار لوزنه دينارا ، وإنما هو تبر ، ويسمى الدرهم لوزنه درهما وإنما هو تبر ، فأقرت موازين المدينة على هذا ، فقال النبي - عليه السلام - : "الميزان ميزان أهل المدينة " .

وحكى الأثرم عن أحمد أنه قال : اصطلح الناس على دراهمنا وإن كان بينهم في ذلك اختلاف لطيف . قال : وأما الدينار فليس فيه خلاف .

قال أبو عمر : روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - قال : "الدينار أربعة وعشرون قيراطا " قال أبو عمر : هذا وإن لم يصح سنده ففي قول جماعة العلماء به ، واجتماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه .

وقال ابن حزم في "المحلى " : وبحثت أنا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة ، بالحب من الشعير المطلق ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة ، فالرطل مائة درهم واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور .

وقال ابن حزم أيضا : الدرهم في الورق والدينار في الذهب ثم يجتمعان في النواة والنش والأوقية ، وقد دخل في الرطل في بعض المقادير ، فالدرهم المذكور في الزكاة هو الذي في كل سبعة دنانير ذهبا منه عشرة دراهم بوزن مكة ، والأوقية أربعون درهما مكية من ذهب أو فضة ، والرطل اثنا عشر أوقية مكية .

[ ص: 145 ] وقال في "الإيصال " : لا خلاف بين أحد في الأوقية المذكورة في أواقي الورق في الصدقة المفروضة : أنها أربعون درهما بالدرهم المكي ، وأما وزن الرطل فإن الناس يختلفون في أن المثقال على وزنه قديما وحديثا ، وهو درهمان طبريان ، والدرهم الطبري هو القرطبي.

التالي السابق


الخدمات العلمية