صفحة جزء
3096 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- : فذهب قوم إلى أن الثمرة التي يجب فيها العشر هكذا حكمها ، تخرص وهي رطب تمرا فيعلم مقدارها ، فتسلم إلى ربها ويملك بذلك حق الله فيها ، ويكون عليه مثلها بكيله ذلك تمرا ، وكذلك يفعل بالعنب .

واحتجوا في ذلك بهذه الآثار .


ش: أراد بالقوم هؤلاء : الزهري وعطاء والحسن وعمرو بن دينار وعبد الكريم ابن أبي المخارق ومروان والقاسم بن محمد ومالكا والشافعي وأحمد وأبا ثور وأبا عبيد بن سلام ، فإنهم ذهبوا إلى إجازة الخرص في النخيل والأعناب حين يبدو صلاحهما .

وقال ابن رشد : يخلى بينها وبين أهلها يأكلونه رطبا .

[ ص: 172 ] وقال داود : لا خرص إلا في النخيل فقط .

وقال الشافعي : إذا بدا صلاح ثمار النخل والكرم فقد تعلق وجوب الزكاة بهما ، ووجب خرصهما للعلم بقدر زكاتهما فيخرصهما رطبا ، وينظر الخارص كم يصير ثمرا فيثبتها تمرا ، ثم يخير رب المال فيها فإن شاء كانت في يده مضمونة وله التصرف فيها ، فإذا تصرف فيها ضمنها .

فيستفاد بالخرص العلم بقدر الزكاة فيها واستباحة رب المال التصرف في الثمرة بشرط الضمان .

وقال الماوردي عن الشافعي : إنه سنة في الرطب والعنب ، ولا خرص في الزرع . وهو قول أحمد .

وقال الخطابي : الخارص يترك لهم الثلث أو الربع من عرض المال ; توسعة عليهم ، فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لأضر ذلك بهم ، وقد يكون منها السقاطة وينتابها الطير ويخترقها الناس للأكل ، فترك لهم الربع توسعة عليهم .

والأصل في ذلك حديث سهل بن أبي حثمة الذي أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي قال : " أمرنا رسول الله - عليه السلام - قال : إذا خرصتم فجدوا ، فإن لم تدعوا أو تجدوا الثلث فدعوا الربع " .

قال الخطابي : وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يأمر الخراص بذلك ، وبهذا قال إسحاق وأحمد .

وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا في جملة النخل ويفرد لهم نخلات معدودة ، قد علم مقدار تمرها بالخرص .

[ ص: 173 ] وقال ابن حزم في "المحلى " : وأما التمر ففرض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبا على التوسعة ولا يكلف عنها بزكاة .

وهو قول الشافعي والليث بن سعد .

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يترك له شيئا .

وذكر ابن بزيزة في "مطامح الأفهام " : قال الجمهور : يقع الخرص في النخل والكرم ، واختلف مذهب مالك هل يخرص الزيتون أم لا ؟ وفيه قولان : الجواز ; قياسا على الكرم .

والمنع ; لوجهين :

الأول : لأن أوراقه تستره .

الثاني : أن أهله لا يحتاجون إلى أن يأكلوه رطبا فلا معنى لخرصه .

وقد اختلف العلماء في الخرص هل هو شهادة أو حكم . فإن كان شهادة لم يكتف بخارص واحد ، وإن كان حكما اكتفى به .

وكذلك اختلفوا في القائف ، والطبيب يشهد في العيوب ، وحاكم الجزاء في الصيد .

واختلف الفقهاء هل يحاسب أصحاب الزروع والثمار بما أكلوا قبل التصفية والجداد أم لا ؟

وكذلك اختلفوا هل يترك لهم قدر العواري والضيف وما في معناه أم لا ؟

واختلفوا أيضا إذا غلط الخارص ، ومحصل الأمر فيه : إن لم يكن من أهل المعرفة بالخرص فالرجوع إلى الخارج لا إلى قوله ، وإن كان من أهل المعرفة ثم تبين أنه أخطأ فهل يؤخذ بقوله أو بما تبين فيه خلاف ، على اختلافهم في المجتهد يخطئ هل ينقض حكمه أم لا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية