صفحة جزء
3110 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- : فذهب قوم إلى هذه الآثار ، فقالوا في صدقة الفطر : من أحب أن يعطيها من الحنطة أعطاها صاعا ، وكذلك إن أحب أن يعطيها من الشعير أو التمر أو الزبيب .


ش: أراد بالقوم هؤلاء : أبا العالية ومسروقا وأبا قلابة ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق ; فإنهم ذهبوا إلى الأحاديث المذكورة ، وقالوا : صدقة الفطر صاع سواء كانت من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب .

وقال أبو عمر : قال الأوزاعي : يؤدي كل إنسان مدين من قمح بمد أهل بلده ، وقال الليث : مدين من قمح بمد هشام وأربعة أمداد من التمر والشعير والأقط .

وقال أبو ثور : الذي يخرج في زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو طعام أو زبيب أو أقط إن كان بدويا ، ولا يعطى قيمة شيء من هذه الأصناف وهو يجدها .

وقال أبو عمر : سكت أبو ثور عن ذكر البر ، وكان أحمد بن حنبل يستحب إخراج التمر .

والأصل في هذا الباب : اعتبار القوت ، وأنه لا يجوز إلا الصاع منه . وهذا قول مالك والشافعي .

والوجه الآخر : اعتبار التمر والشعير والزبيب أو قيمتها على ما قاله الكوفيون .

[ ص: 195 ] وقال القاضي : واختلف في النوع المخرج ، فأجمعوا أنه يجوز البر والشعير والزبيب والتمر إلا خلافا في البر لمن لا يعتد بخلافه ، وخلافا في الزبيب لبعض المتأخرين ، وكلاهما مسبوق بالإجماع ، مردود قوله به .

وأما الأقط فأجازه مالك والجمهور ومنعه الحسن ، واختلف فيه قول الشافعي .

وقال أشهب : لا يخرج إلا هذه الخمسة ، وقاس مالك على هذه الخمسة كل ما هو عيش أهل بلده من القطاني وغيرها . وعن مالك قول آخر : أنه لا يجزئ غير المنصوص عليه في الحديث وما في معناه ، ولم يجز عامة العلماء إخراج القيمة ، وأجازه أبو حنيفة .

وقال النووي : قال أصحابنا : جنس كل حب يجب فيه العشر ، ويجزئ الأقط على المذهب ، والأصح أنه يتعين عليه غالب قوت البلدة .

الثاني : يتعين قوت نفسه .

والثالث : يتخير بينهما ، فإن عدل عن الواجب إلى أعلى منه أجزأه ، وإن عدل إلى أدناه لم يجزه .

قلت : قال أصحابنا : دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها سواء كان أيام الشدة أو لم يكن ، ودقيق الحنطة وسويقها كالحنطة ، ودقيق الشعير وسويقه كالشعير ، وإن أراد أن يعطي من الحبوب من جنس آخر يعطى بالقيمة ; لأنه ليس بمنصوص عليه .

وقال ابن حزم في "المحلى " : زكاة الفطر في رمضان فرض واجب على كل مسلم كبير أو صغير ذكر أو أنثى حر أو عبد ، وإن كان جنينا في بطن أمه ، عن كل واحد صاع من تمر أو شعير . والصاع أربعة أمداد بمد النبي - عليه السلام - ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا لا قمح ولا دقيق قمح أو شعير ، ولا خبز ولا قيمته ، ولا شيء ، غير ما

[ ص: 196 ] ذكرنا . ثم قال : وأجاز قوم أشياء غير ما أمر به رسول الله - عليه السلام - فقال قوم : يجزئ فيها القمح ، وقال آخرون : والزبيب والأقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية