صفحة جزء
[ ص: 197 ] 3111 3112 3113 3114 ص: وقد روي عن غير أبي سعيد في الحنطة خلاف ما روي عن أبي سعيد ، فمن ذلك :

ما حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد . (ح)

وحدثنا فهد ، قال : ثنا ابن أبي مريم -قال أسد : حدثنا ابن لهيعة . وقال ابن أبي مريم : أخبرنا ابن لهيعة - عن أبي الأسود ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت : " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله مدين من قمح " .

حدثنا فهد وعلي بن عبد الرحمن ، قالا : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، أن هشام بن عروة حدثه ، عن أبيه ، أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - أخبرته : " أنها كانت تخرج على عهد رسول الله - عليه السلام - عن أهلها -الحر منهم والمملوك- مدين من حنطة أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به " .

حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا محمد بن عزيز ، قال : ثنا سلامة ، عن عقيل ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : "كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - مدين " .

فهذه أسماء تخبر أنهم كانوا يؤدون في عهد النبي - عليه السلام - زكاة الفطر مدين من قمح ، ومحال أن يكونوا يفعلون هذا إلا بأمر النبي - عليه السلام - ; لأن هذا لا يؤخذ حينئذ إلا من جهة توقيفه إياهم على ما يجب عليهم من ذلك ، فتصحيح ما روي عن أسماء وما روي عن أبي سعيد : أن يجعل ما كانوا يؤدون على ما ذكرت أسماء هو الفرض ، وما كانوا يؤدون على ما ذكره أبو سعيد زيادة على ذلك هو التطوع .


ش: أشار بهذا إلى صحة ما ذكره من التأويل في حديث أبي سعيد ، وإلى وجه التوفيق بين ما روي عن أبي سعيد وبين ما روي عن غيره مما يخالفه ظاهرا .

بيانه : أن أسماء - رضي الله عنها - تخبر في حديثها أنهم كانوا يؤدون في عهد النبي - عليه السلام - صدقة الفطر مدين من قمح وهو نصف صاع ، ولا شك أن هذا لم يكن إلا بأمر النبي - عليه السلام - ; لأن ذلك مما لا يوقف عليه إلا من جهة التوقيف ، وحديث أبي سعيد

[ ص: 198 ] يخبر أنهم كانوا يعطون صاعا من قمح فبينهما تناف ، وتصحيح ذلك أن يجعل حديث أسماء على ما كانوا يؤدونه على سبيل الفرض وهو نصف صاع من القمح .

وحديث أبي سعيد على ما كانوا يزيدونه على الفرض طلبا للفضل ; فحينئذ يتفق الحديثان في المعنى ، وهو أن الواجب نصف صاع .

ثم إنه أخرج حديث أسماء عن أربعة طرق :

الأول : عن ربيع بن سليمان المرادي المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة ، عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام القرشية الأسدية زوجة هشام بن عروة ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - .

والكل ثقات غير ابن لهيعة فإن فيه خلافا كما ذكرناه غير مرة .

وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا عتاب ، نا عبد الله بن المبارك ، أنا ابن لهيعة . . . إلى آخره نحوه سواء ، غير أن في آخره : "بالمد الذي تقتاتون به " .

الثاني : عن فهد بن سليمان ، عن سعيد بن الحاكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة . . . إلى آخره .

وأخرجه الطبراني : ثنا بكر بن سهل ، نا عبد الله بن يوسف ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت : " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - مدين من قمح بالمد الذي يقتات به " .

الثالث : عن فهد وعلي بن عبد الرحمن المعروف بعلان ، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن أسماء . . . إلى آخره .

وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري .

[ ص: 199 ] وأخرجه الطبراني : ثنا أحمد بن حماد بن زغبة ، ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيوب . . . إلى آخره نحوه سواء .

الرابع : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ومحمد بن عزيز بن عبد الله الأيلي ، كلاهما عن سلامة بن روح بن خالد الأيلي ، عن عمه عقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي ، عن هشام بن عروة . . . إلى آخره .

وهذا أيضا صحيح .

وأخرجه الطبراني أيضا : ثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ثنا محمد بن عزيز الأيلي ، ثنا سلامة بن روح ، حدثني عقيل ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - : "أنهم كانوا يخرصون زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - بالمد الذي يقتات به أهل البيت ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم " .

فإن قيل : قال ابن الجوزي : هذا الحديث معلول بابن لهيعة ، فكيف تجعله معارضا لحديث أبي سعيد الصحيح ثم توفق بما ذكرته ؟ ! .

قلت : قد بينت لك غير مرة أن ابن لهيعة ثقة عند جماعة منهم أحمد ، على أنا وإن سلمنا ذلك من طريق ابن لهيعة ، ولكن الحديث صحيح من غير طريقه كما أخرجه الطحاوي من الطريقين الآخرين ، على أن صاحب "التنقيح " قد قال : حديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة سيما إذا كان من رواية إمام مثل ابن المبارك عنه .

وأشار بذلك إلى ما رواه أحمد في "مسنده " : ثنا عتاب بن زياد ، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك ، أنا ابن لهيعة . . . الحديث .

وها هنا قد روى عنه مثل ابن أبي مريم شيخ البخاري على ما مر .

التالي السابق


الخدمات العلمية