صفحة جزء
3116 3117 3118 3119 3120 3121 3122 3123 ص: وقد جاءت الآثار عن رسول الله - عليه السلام - بما فرضه في زكاة الفطر موافقة لهذا أيضا .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عارم . (ح)

وحدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قالا : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " أمر النبي - عليه السلام - بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، حر وعبد ، صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر . قال : فعدله الناس بمدين من حنطة " .

[ ص: 201 ] حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا قبيصة قال : ثنا سفيان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - بمثله .

حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا أبو الوليد وبشر بن عمر ، قالا : ثنا ليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام -
مثله ، غير أنه لم يذكر التعديل .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره . (ح)

وحدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : ثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - مثله ، غير أنه قال : "عن كل حر وعبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين " .

حدثنا فهد ، قال : ثنا عمرو بن طارق ، قال : ثنا يحيى بن أيوب ، عن يونس بن يزيد ، أن نافعا أخبره ، قال : قال عبد الله بن عمر : "فرض رسول الله - عليه السلام - زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل إنسان ذكر حر أو عبد من المسلمين .وكان عبد الله بن عمر يقول : جعل الناس عدله مدين من حنطة " .

فقول ابن عمر : "جعل الناس عدله مدين من حنطة " إنما يريد أصحاب رسول الله - عليه السلام - الذين يجوز تعديلهم ويجب الوقوف عند قولهم ، فإنه قد روي عن عمر مثل ذلك في كفارة اليمين أنه قال ليسار بن نمير : "إني أحلف أن لا أعطي أقواما شيئا ثم يبدو لي فأفعل ، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من بر ، أو صاعا من تمر أو شعير " .

وروي عن علي - رضي الله عنه - مثل ذلك ، وسنذكر ذلك في موضعه من كتابنا إن شاء الله تعالى ، مع أنه قد روي عن عمر وعن أبي بكر - رضي الله عنهما - أيضا .

وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في صدقة الفطر : أنها من الحنطة نصف صاع .

وسنذكر ذلك أيضا في هذا الباب إن شاء الله تعالى .

[ ص: 202 ] فدل ذلك على أنهم هم المعدلون لما ذكرنا من الحنطة بالمقدار من الشعير والتمر الذي ذكرنا ، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا بمشاورة أصحاب النبي - عليه السلام - واجتماعهم لهم على ذلك ، فلو لم يكن روي لنا في مقدار ما يعطى من الحنطة في زكاة الفطر إلا هذا التعديل ; لكان ذلك عندنا حجة عظيمة في ثبوت ذلك المقدار من الحنطة ، وأنه نصف صاع ، فكيف وقد روي مع ذلك عن أسماء أنها كانت تخرج ذلك المقدار على عهد رسول الله - عليه السلام - أيضا .


ش: أي : وقد جاءت الأحاديث عن النبي - عليه السلام - بالذي فرضه في صدقة الفطر حال كونها موافقة في المعنى لحديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - ، ولما روي من أثر أبي سعيد الخدري .

فمن ذلك حديث عبيد الله بن عمر .

أخرجه من ثمانية طرق :

الأول : إسناده صحيح . عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عارم وهو محمد بن الفضل السدوسي البصري شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - .

وأخرجه البخاري : ثنا أبو النعمان ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : " فرض النبي - عليه السلام - صدقة الفطر -أو قال : رمضان- على الذكر والأنثى والحر والمملوك ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، فعدل الناس به نصف صاع من بر ، فكان ابن عمر يعطي التمر ، فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا ، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير ، حتى إن كان ليعطي عن بني ، وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " .

الثاني : أيضا صحيح . عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سليمان بن حرب الواشحي شيخ البخاري وأبي داود ، عن حماد بن زيد . . . إلى آخره .

[ ص: 203 ] وأخرجه الترمذي : ثنا قتيبة ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : "فرض رسول الله - عليه السلام - صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال : فعدل الناس إلى نصف صاع من بر " .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

الثالث : أيضا صحيح . عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن عبيد الله بن عمر العمري المدني ، عن نافع . . . إلى آخره .

وأخرجه البخاري : عن مسدد ، عن يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر نحوه . غير أنه لم يذكر التعديل .

الرابع : عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي ، عن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الكوفي الجرار ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر . . . إلى آخره .

وهذا إسناد لين من جهة ابن أبي ليلى .

الخامس : صحيح . عن يزيد بن سنان القزاز ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، وبشر بن عمر بن الحكم الزهراني ، كلاهما عن ليث بن سعد . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم وذكر فيه التعديل ، وقال : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا ليث .

وثنا محمد بن رمح ، قال : أنا الليث ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر قال : "إن رسول الله - عليه السلام - أمر بزكاة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير ، قال ابن عمر : فجعل الناس عدله مدين من حنطة " .

[ ص: 204 ] وأخرجه ابن ماجه نحوه .

السادس : صحيح أيضا . عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب . . . إلى آخره .

وأخرجه البخاري : ثنا عبيد الله بن يوسف أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين " .

السابع : عن صالح بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسلمة شيخ الشيخين وأبي داود ، عن مالك . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم : ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وقتيبة بن سعيد ، قالا : ثنا مالك ، وثنا يحيى واللفظ له ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين " .

وأخرجه بقية الجماعة .

الثامن : عن فهد بن سليمان ، عن عمرو بن طارق هو عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي الكوفي نزيل مصر وشيخ الشيخين ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن نافع . . . إلى آخره .

وهذا أيضا إسناد صحيح .

وأخرجه الطحاوي أيضا في "مشكله " من حديث يونس بن يزيد ، عن نافع . . . إلى آخره .

[ ص: 205 ] قوله : "إنما يريد أصحاب رسول الله - عليه السلام - " أراد : إنما يريد عبد الله بن عمر من قوله : "جعل الناس عدله " أصحاب رسول الله - عليه السلام - ، الذين يجوز تعديلهم في مثل هذا الأمر ، ويجب الوقوف عند قولهم لعلمهم موارد النصوص ، ووقوفهم على المراد منها .

والعدل : بفتح العين ما عادل الشيء وكافأه من غير جنسه ، فإن كان من جنسه فهو عدل بالكسر ، وقيل : كلاهما لغتان بمعنى المثل مطلقا .

قوله : "فإنه روي عن عمر - رضي الله عنه - مثل ذلك " أي : فإن الشأن : روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مثل ما ذكر من التعديل ، حيث عدل نصف صاع من بر بصاع من شعير في كفارة اليمين .

وأخرجه مسندا في كتاب الأيمان من طرق كثير ; على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، منها ما رواه عن أبي بشر الرقي ، قال : نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن يسار بن نمير قال : قال لي عمر - رضي الله عنه - : " إني أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لي أن أعطيهم ، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين كل مسكينين صاعا من تمر " .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : نا بشر بن عمر ، قال : نا شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن يسار بن نمير ، عن عمر مثله .

غير أنه قال : "عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع حنطة أو صاع تمر " .

قوله : "وروي عن علي مثل ذلك "أي : روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - التعديل مثل ما روي عن عمر بن الخطاب ، أخرجه مسندا أيضا في كتاب الأيمان عن ابن أبي عمران ، عن بشر بن الوليد ، وعن علي بن صالح ، كلاهما عن أبي يوسف ، عن ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي - رضي الله عنه - في كفارات الأيمان . . . فذكر نحوا مما روي عن عمر - رضي الله عنه - .

قوله : "مع أنه قد روي عن عمر وعن أبي بكر وعن عثمان - رضي الله عنه - في صدقة الفطر أنها من الحنطة نصف صاع " أشار بهذا إلى أنه قد روي عن عمر بن الخطاب صريحا

[ ص: 206 ] أن صدقة الفطر نصف صاع من الحنطة غير ما روي عنه من التعديل المذكور في كفارة اليمين ، وكذا روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - ، على ما يجيء جميع ذلك عن قريب في هذا الباب إن شاء الله تعالى .

قوله : "فدل ذلك على أنهم هم المعدلون " أي : فدل ما ذكرنا من تعديل عمر وعلي ، وإخراج عمر وعثمان وأبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - صدقة الفطر من القمح نصف صاع ، على أن هؤلاء هم المعدلون من الحنطة بنصف صاع نظير الصاع من الشعير والتمر ، وأنهم لم يكونوا فعلوا ذلك إلا بمشورة من أصحاب النبي - عليه السلام - من غير إنكار أحد منهم ، فصار ذلك إجماعا منهم على ذلك ، فلو لم يكن المروي في مقدار ما يخرج من الحنطة لأجل الفطرة إلا هذا التعديل من هؤلاء الصحابة ; لكان ذلك كافيا في الاحتجاج ; لأن الإجماع من أقوى الحجج ، أشار إلى ذلك بقوله : لكان ذلك عندنا حجة عظيمة ، فكيف وقد روي مع هذا التعديل المنقول عنهم والتصريح بأن بعضهم كانوا يخرجون نصف صاع من الحنطة ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - : "أنها كانت تخرج نصف صاع من الحنطة على عهد النبي - عليه السلام - " .

فاجتمع في ذلك ما فعل في عهد النبي ، وما نقل من التعديل عن بعض الصحابة ، وما روي عن بعضهم بما ذكرنا أيضا ، وما حكي من اجتماعهم على ذلك ، فصار حجة قوية لا مساغ للخلاف فيها .

ثم اعلم أن ما وقع في رواية مالك بن أنس من لفظة : "من المسلمين " تكلم العلماء فيه .

قال الشيخ في "الإمام " : وقد اشتهرت هذه اللفظة من رواية مالك حتى قيل : إنه تفرد بها .

قال أبو قلابة عبد الملك بن محمد : ليس أحد يقول فيه : "من المسلمين " غير مالك .

وقال الترمذي بعد تخريجه له : زاد فيه مالك "من المسلمين " ، وقد رواه غير واحد عن نافع فلم يقولوا فيه : "من المسلمين " . انتهى .

[ ص: 207 ] قال : فمنهم : الليث بن سعد وحديثه عند مسلم ، وعبيد الله بن عمر وحديثه أيضا عند مسلم ، وأيوب السختياني وحديثه عند البخاري ومسلم ، كلهم رووه عن ابن عمر ولم يقولوا فيه : "من المسلمين " .

قال : وتبعهما على هذه المقالة جماعة .

قال الشيخ : وليس بصحيح فقد تابع مالكا على هذه اللفظة من الثقات سبعة وهم : عمر بن نافع والضحاك بن عثمان والمعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر وكثير بن فرقد وعبيد الله بن عمر العمري ويونس بن يزيد .

فحديث عمر بن نافع رواه البخاري في "صحيحه " : عنه ، عن أبيه نافع ، عن ابن عمر قال : "فرض رسول الله - عليه السلام - زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل الصلاة " .

وحديث الضحاك بن عثمان أخرجه مسلم : عنه ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : "فرض رسول الله - عليه السلام - زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين : حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير صاعا من تمر أو صاعا من شعير " .

وحديث المعلى بن إسماعيل أخرجه ابن حبان في "صحيحه " في النوع الرابع والعشرين من القسم الأول : عنه ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : "أمر رسول الله - عليه السلام - زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير عن كل مسلم صغير وكبير حر أو عبد . قال ابن عمر : ثم إن الناس جعلوا عدل ذلك مدين من قمح " .

وحديث عبد الله بن عمر أخرجه الحاكم في "المستدرك " : عنه ، عن نافع ، عن

[ ص: 208 ] ابن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - فرض زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من بر ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين " . وصححه .

ورواه الدارقطني في "سننه " ، والطحاوي في "مشكله " .

وحديث كثير بن فرقد أخرجه الحاكم في "مستدركه " : عنه ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من بر على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين " . وصححه .

ورواه الدارقطني في "سننه " ، والطحاوي في "مشكله " .

وحديث عبيد الله بن عمر العمري أخرجه الدارقطني : عنه ، عن ابن عمر بنحوه سواء .

وحديث يونس بن يزيد أخرجه الطحاوي في "مشكله " : عنه ، أن نافعا أخبره قال : قال عبد الله بن عمر : "فرض رسول الله - عليه السلام - على الناس زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير على كل إنسان ذكر أو أنثى ، حر أو عبد من المسلمين " .

وقال أبو عمر في "التمهيد " : لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه ولا في قوله فيه : "من المسلمين " إلا قتيبة بن سعيد وحده ، فإنه روى هذا الحديث عن مالك ولم يقل فيه : "من المسلمين " ، وزعم بعض الناس أنه لا يقول فيه أحد : "من المسلمين " غير مالك .

وذكره أيضا أحمد بن خالد ، عن ابن وضاح ، وليس كما ظن الظان ، وقد قاله غير مالك عن جماعة ، ولو انفرد به مالك لكان حجة توجب حكما عند أهل العلم ، فكيف ولم ينفرد به ؟ !

[ ص: 209 ] وقال أبو عمر أيضا : اختلفوا في العبد الكافر والغائب المسلم .

فقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : ليس على أحد أن يؤدي عن عبده الكافر صدقة الفطر وإنما هي على من صام وصلى ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن ، وحجتهم قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : "من المسلمين " ، وقال الثوري وسائر الكوفيين : عليه أن يؤدي زكاة الفطر عن عبده الكافر .

وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز ، والنخعي ، وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهم - ، انتهى .

قلت : نذكر أولا ما احتج به أصحابنا فيما ذهبوا إليه من وجوب صدقة الفطر عن عبده الكافر ، ثم نجيب عن حديث مالك الذي فيه "من المسلمين " فنقول :

روى الدارقطني في "سننه " : عن سلام الطويل ، عن زيد العمي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "أدوا صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، ذكر أو أنثى ، يهودي أو نصراني حر أو مملوك ، نصف صاع من بر ، أو صاعا من تمر أو شعير " .

فإن قيل : قال الدارقطني : لم يسند هذا الحديث غير سلام الطويل وهو متروك .

ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات " وقال : زيادة "اليهودي والنصراني " فيه موضوعة ، انفرد بها سلام الطويل وكأنه تعمدها ، وأغلظ فيه القول عن النسائي وابن حبان .

قلت : جازف ابن الجوزي في مقالته من غير دليل ، فكان ينبغي أن يذكره مثل الدارقطني ، وكيف وقد أخرج الطحاوي في "مشكله " ما يؤيد هذا عن ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : "كان يخرج زكاة الفطر عن كل إنسان يعول ، من صغير وكبير ، حر أو عبد ولو كان نصرانيا ; مدين من قمح أو صاعا من تمر " .

[ ص: 210 ] وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة سيما رواية ابن المبارك عنه .

ويؤيده أيضا ما أخرجه الدارقطني : عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد ، صغير وكبير ، ذكر وأنثى ، كافر ومسلم ، حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه " .

قال الدارقطني : وعثمان هذا هو الوقاصي وهو متروك .

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " : عن ابن عباس قال : "يخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مملوك له وإن كان يهوديا أو نصرانيا " .

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " : عن إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن مهاجر ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : سمعته يقول : "يؤدي الرجل المسلم عن مملوكه النصراني صدقة الفطر " .

ثنا عبد الله بن داود ، عن الأوزاعي ، قال : بلغني عن ابن عمر : "أنه كان يعطي عن مملوكه النصراني صدقة الفطر " .

ثنا وكيع ، عن ثور ، عن سليمان بن موسى ، قال : "كتب إلي عطاء يسأله عن عبيد يهود أو نصارى : أطعم عنهم زكاة الفطر ؟ قال : نعم " .

ثنا ابن عياش ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، قال مثل قول عمر بن عبد العزيز .

نا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال : قال عطاء : "إذا كان لك عبيد نصارى لا يدارون -يعني : للتجارة- فزك عنهم يوم الفطر " .

[ ص: 211 ] وأما الجواب عن حديث مالك فما ذكره الطحاوي في "مشكل الآثار " أن قوله - عليه السلام - : "من المسلمين " يعني : من يلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ولا يكون إلا مسلما ، وأما العبد فلا يلزمه في نفسه زكاة الفطر وإنما يلزم مولاه المسلم عنه ، ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يعتق قبل أن يؤدي مولاه عنه زكاة الفطر أنه لا يلزمه إذا ملك بعد ذلك مالا إخراجها عن نفسه ، كما يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان ، وأنه عبد ، وأنه لا يكفرها بصيام ، ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه .

قلت : التحقيق في هذا المقام أن في صدقة الفطر نصين :

أحدهما : جعل الرأس المطلق سببا ، وهو الرواية التي ليس فيها "من المسلمين " .

والنص الآخر : جعل رأس المسلم سببا ، ولا تنافي في الأسباب ; إذ يجوز أن يكون لشيء واحد أسباب متعددة شرعا وحسا على سبيل البدل ، كالملك يثبت بالشراء والهبة والوصية والصدقة والإرث ، فإذا امتنعت المزاحمة وجب الجمع بإجراء كل واحد من المطلق والمقيد على سببه من غير حمل أحدهما على الآخر ، فيجب أداء صدقة الفطر عن العبد الكافر بالنص المطلق ، وعن المسلم بالمقيد .

فإن قيل : إذا لم يحمل المطلق على المقيد أدى إلى إلغاء المقيد ، فإن حكمه يفهم من المطلق ، فإن حكم العبد المسلم يستفاد من إطلاق اسم العبد ، فلم يبق لذكر المقيد فائدة .

قلت : ليس كذلك ، بل فيه فوائد وهي أن يكون المقيد دليلا على الاستحباب والفضل ، أو على أنه عزيمة ، والمطلق رخصة ، أو على أنه أهم وأشرف حيث نص عليه بعد دخوله تحت الاسم المطلق كتخصيص الصلاة الوسطى وجبريل وميكائيل بعد دخولها في مطلق الصلوات ، ودخولهما في مطلق اسم الملائكة ومتى أمكن العمل بهما ، واحتمال الفائدة قائم ، لا يجوز إبطال صفة الإطلاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية