صفحة جزء
3124 3125 ص: ثم قد روي في غير هذه الآثار التي ذكرنا عن النبي - عليه السلام - ما يوافق ذلك أيضا ، فمن ذلك : ما حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا حماد بن زيد ،

[ ص: 212 ] عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد عليه ما أعطى " .

حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عفان ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ، قال : قال النبي - عليه السلام - : "أدوا زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، أو نصف صاع بر -أو قال : قمح- عن كل إنسان صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، غني أو فقير " .


ش: أي : ثم قد روي في غير هذه الأحاديث -وهي التي رواها عن أسماء بنت أبي بكر الصديق وأبي سعيد وعبد الله بن عمر - ما يوافق ذلك في أن صدقة الفطر من القمح نصف صاع ، فمن ذلك : ما أخرجه عن ثعلبة بن أبي صعير من طريقين :

الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد روى له الجماعة ، عن النعمان بن راشد الجزري الرقي روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، عن محمد بن مسلم الزهري روى له الجماعة ، عن ثعلبة بن أبي صعير -بضم الصاد وفتح العين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مهملة - هو وأبوه صحابيان .

وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي ، قالا : ثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري -قال مسدد : عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه [وقال سليمان بن داود : عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صاع من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه " .

[ ص: 213 ] الثاني : عن علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، عن عفان بن مسلم الصفار البصري روى له الجماعة ، عن حماد بن زيد . . . إلى آخره .

وهذا الحديث له وجوه :

الأول : رواية بكر بن وائل

أخرجها أبو داود : ثنا علي بن الحسن الدرابجردي ، نا عبد الله بن يزيد نا همام ، نا بكر -هو ابن وائل- عن الزهري ، عن ثعلبة بن عبد الله -أو قال : عبد الله بن ثعلبة - عن النبي - عليه السلام - .

ثنا ابن يحيى النيسابوري ، نا موسى بن إسماعيل ، نا همام ، عن بكر الكوفي -قال ابن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود - أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه قال : "قام رسول الله - عليه السلام - خطيبا ، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس -زاد علي في حديثه : أو صاع بر أو قمح بين اثنين ثم اتفقا- : عن الصغير والكبير والحر والعبد " .

الثاني : رواية النعمان بن راشد عن الزهري ، وهي التي أخرجها الطحاوي وأبو داود أيضا .

وأخرجه الدارقطني أيضا : عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن حماد بن زيد به مرفوعا : "أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر . . . " إلى آخره .

ثم أخرجه : عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن زيد به ، قال : "أدوا عن كل إنسان صاعا من بر ، عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير . . . " إلى آخره .

[ ص: 214 ] ثم أخرجه : عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد به ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه بنحو رواية يزيد بن هارون .

ثم أخرجه عن خالد بن خداش ، عن حماد بن زيد ، وقال بهذا الإسناد نحوه .

الثالث : رواية يحيى بن جرجة ، عن الزهري .

أخرجها الدارقطني أيضا : عنه عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير : "أن رسول الله - عليه السلام - خطب فقال : إن صدقة الفطر مدان من بر عن كل إنسان ، أو صاع مما سواه من الطعام " .

ويحيى بن جرجة روى عنه ابن جريج .

وقزعة بن سويد ، قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : هو شيخ . وقال الدارقطني : ليس بقوي .

الرابع : رواية ابن جريج عن الزهري .

رواه عبد الرزاق في "مصنفه " : أنا ابن جريج ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن ثعلبة قال : "خطب رسول الله - عليه السلام - الناس قبل الفطر بيوم أو يومين فقال : أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين ، أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر وعبد صغير وكبير " .

ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في "سننه " والطبراني في "معجمه " .

وهذا سند صحيح قوي .

الخامس : رواية بحر بن كنيز السقاء ، عن الزهري .

[ ص: 215 ] أخرجه الحكم في "المستدرك " في كتاب الفضائل : عن بحر بن كنيز ، ثنا الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن أبيه ، عن النبي - عليه السلام - : "أنه فرض صدقة الفطر عن الصغير والكبير صاعا من تمر أو مدين من قمح " .

وسكت عنه ، ثم قال : وقد رواه أكثر أصحاب الزهري عنه عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي - عليه السلام - ، لم يذكروا أباه .

وقال الدارقطني في "علله " : هذا حديث اختلف في إسناده ومتنه .

أما سنده فرواه الزهري واختلف عليه فيه ، فرواه النعمان بن راشد عنه عن ثعلبة بن أبي صعير .

وقيل : عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبي هريرة .

وقيل : عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .

وقيل : عن عقيل ويونس ، عن الزهري ، عن سعيد مرسلا .

ورواه معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة .

وأما اختلاف متنه ففي حديث سفيان بن حسين عن الزهري : "صاع من قمح " ، وكذلك في حديث النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه : "صاع من قمح عن كل إنسان " ، وفي حديث الباقين : "نصف صاع من قمح " ، قال : وأصحها : عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب مرسل انتهى .

وقال الشيخ في "الإمام " : وحاصل ما تعلل به هذا الحديث أمران :

أحدهما : الاختلاف في اسم ابن أبي صعير فقد تقدم من جهة أبي داود عن مسدد : ثعلبة بن أبي صعير .

[ ص: 216 ] ومن جهته أيضا عن سليمان بن داود : عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير ، أو ثعلبة ابن عبد الله بن أبي صعير ، وكذلك أيضا عند أبي داود في رواية بكر بن وائل : ثعلبة بن عبد الله ، أو قال : عبد الله بن ثعلبة على الشك .

وعنده أيضا من رواية محمد بن يحيى ، وفيه الجزم بعبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير ، وكذلك رواية ابن جريج .

وعند الدارقطني من رواية مسدد : عن ابن أبي صعير عن أبيه لم يسمه .

ثم أخرجه الدارقطني عن همام ، عن بكر ، أن الزهري حدثه ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه قال نحوه -يعني نحو حديث مسدد - فإنه ذكره عقيبه ، وهذا يحتاج إلى نظرة فإنه ذكره من رواية مسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبيه مرفوعا : "صدقة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل رأس " كذا في النسخة العتيقة الصحيحة ورواية أبي داود عن مسدد فيها : "أدوا صاعا من بر أو قمح عن كل اثنين " . وهذا مخالف للأول ، والله أعلم .

وفي رواية سليمان بن حرب ، عن حماد : الجزم بثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ، عند الدارقطني ، والجزم بعبد الله بن ثعلبة في رواية بحر بن كنيز كما تقدم عند الحاكم ، والشك في رواية يزيد بن هارون ، عن حماد فيها : عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير أو عن ثعلبة عن أبيه ، عند الدارقطني .

العلة الثانية : الاختلاف في اللفظ ; ففي حديث سليمان بن حرب عند الدارقطني عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه مرفوعا "أدوا صاعا من قمح . . . " الحديث .

ثم أتبعه الدارقطني برواية خالد بن خداش ، عن حماد بن زيد ، قال : بهذا الإسناد مثله .

[ ص: 217 ] وقد تقدم من رواية أبي داود عن مسدد : "صاع من بر أو قمح على كل اثنين " .

وأخرجه الدارقطني : عن أحمد بن داود المكي ، عن مسدد ، ثنا حماد بن زيد به ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه مرفوعا : "أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو قمح عن كل رأس . . . " الحديث .

وفي رواية بكر بن وائل قيل : "عن كل رأس " ، وذكر البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال في كتاب "العلل " : إنما هو عبد الله بن ثعلبة وإنما هو عن كل إنسان أو كل رأس ، هكذا رواية بكر بن وائل ، لم يقم الحديث غيره ، قد أصاب الإسناد والمتن .

قال الشيخ : ويمكن أن تحرف "رأس " إلى "اثنين " ، ولكن يبعد هذا بعض الروايات كالرواية التي فيها : "صاع بر أو قمح بين كل اثنين " . انتهى .

وقال صاحب "تنقيح التحقيق " بعد ذكره هذا الاختلاف : وقد روي على الشك في الاثنين .

قال أحمد بن حنبل : ثنا عفان قال : سألت حماد بن زيد عن صدقة الفطر ، فحدثني عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : "أدوا صاعا من قمح أو صاعا من بر -وشك حماد - : عن كل اثنين ، صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما يعطي " . انتهى .

ثم قال : قال مهنا : ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر : "نصف صاع من بر " ، فقال : ليس بصحيح ، إنما هو مرسل ، يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا .

[ ص: 218 ] قلت : من قبل من هذا ؟ قال : من قبل النعمان بن راشد وليس بالقوي في الحديث ، وضعف حديث ابن أبي صعير ، وسألته عن ابن أبي صعير أهو معروف ؟ فقال : ومن يعرف ابن أبي صعير ؟ ! ليس هو بمعروف .

وذكر أحمد وابن المديني ابن أبي صعير فضعفاه جميعا .

وقال ابن عبد البر : ليس دون الزهري من تقوم به الحجة .

والنعمان بن راشد قال معاوية عن ابن معين : ضعيف ، وقال عباس عنه : ليس بشيء . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : مضطرب الحديث . وقال البخاري : في حديثه وهم كثير وهو في الأصل صدوق .

وقال ابن حزم في "المحلى " : والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط .

وهذا الحديث راجع إلى رجل مجهول الحال مضطرب عنه يختلف في اسمه : مرة عبد الله بن ثعلبة ، ومرة ثعلبة بن عبد الله ، ولا خلاف أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صعير ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة . انتهى .

قلت : ثعلبة بن عبد الله بن صعير ، ويقال : ثعلبة بن صعير ، ويقال : ابن أبي صعير ، ويقال : عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري عداده في الصحابة .

وفي "التهذيب " : عبد الله بن صعير هو عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، ويقال : ابن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان العذري ، حليف بني زهرة يكنى أبا محمد ، مسح رسول الله - عليه السلام - رأسه زمن الفتح ودعا له ، وحفظ عنه .

روى عن أبيه ، قيل : إنه ولد قبل الهجرة بأربع سنين ، وتوفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين .

وأما النعمان بن راشد فإن الجماعة قد أخرجوا له ، البخاري مستشهدا وقال : صدوق . وقال ابن عدي : النعمان بن راشد قد احتمله الناس ، روى عنه الثقات مثل حماد بن زيد وجرير بن حازم ووهيب بن خالد ، وغيرهم من الثقات ، وله نسخة عن الزهري ، لا بأس به ، والله أعلم .

[ ص: 219 ] قوله : "صاع " مرفوع بالابتداء وتخصص بالصفة ، وهي قوله : "من بر " ، وخبره قوله : "عن كل اثنين " .

قوله : "فيزكيه الله " أي : يطهره الله من وسخ الآثام ، أو معناه : يزيده الله بركة في ماله ; لأن معنى الزكاة : النماء ، وهي الزيادة ، يقال : زكى الزرع إذا نمى .

قوله : "فيرد عليه ما أعطى " معناه : يجازيه الله تعالى في الدنيا بأن يرد عليه أكثر مما أعطاه ، وفي الآخرة بالثواب الجزيل .

ويستفاد منه أحكام :

الأول : فيه دلالة ظاهرة على أن صدقة الفطر من الحنطة : نصف صاع .

الثاني : فيه رد على أهل الظاهر حيث منعوا جواز الحنطة في صدقة الفطر .

الثالث : فيه دليل أن الواجب على الصغير والكبير والحر والعبد .

الرابع : قال الخطابي : فيه بيان أن الفقير تلزمه صدقة الفطر إذا وجد ما يؤديه ، ألا تراه يقول : "وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه " ، فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره .

قلت : فيه نظر ; لأن اللفظ ليس فيه ما يدل على أنها تجب على الفقير ، بل معناه أن الفقير إذا تبرع بها ابتغاء لمرضاة الله تعالى ، فإن الله يجازيه في الدنيا بأن يرد عليه أكثر مما أعطاه ، وفي الآخرة بالثواب الجزيل .

الخامس : قال الخطابي : وفي قوله : "ذكر أو أنثى " دليل لمن أسقط صدقة الزوجة عن الزوج ; لأنه في الظاهر إيجاب على المرأة ، فلا يزول الفرض عنها إلا بدليل ، وهو مذهب أصحاب الرأي والثوري .

وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق : يخرج عن زوجته لأنه يمونها .

التالي السابق


الخدمات العلمية