صفحة جزء
3145 3146 3147 ص: وقالوا : هذا الذي كان يغتسل به رسول الله - عليه السلام - هو صاع ونصف وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا زائدة ، عن جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : " كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد وهو الفرق " .

حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : "كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد من قدح يقال له : الفرق " .

[ ص: 237 ] حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال : ثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن شهاب . . . فذكر بإسناده نحوه .

قالوا : فلما ثبت بهذا الحديث الذي روي عن عائشة : أن رسول الله - عليه السلام - كان يغتسل هو وهي من الفرق ، والفرق ثلاثة أصوع ، كأن ما يغتسل به كل واحد منهما صاعا ونصفا .

فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثها ، وهو خمسة أرطال وثلث . وهذا قول أهل المدينة أيضا .


ش: أي قال هؤلاء الآخرون : هذا بيان استدلالهم لما قالوا : وزن الصاع خمسة أرطال وثلث رطل ، تقريره أن الإناء الذي كان يغتسل به رسول الله - عليه السلام - كانت صاعا ونصفا ; لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد وهو الفرق ، والفرق ثلاثة أصوع ، فحينئذ يكون ما اغتسل به كل واحد منهما صاعا ونصفا ، فإذا كان المذكور في رواية مجاهد عن عائشة : ثمانية أرطال ، يكون الصاع ثلث الفرق وهو خمسة أرطال وثلث ; لأن الفرق ستة عشر رطلا ، وهي ثلاثة أصوع ، وثلث ستة عشر ، خمسة وثلث .

ثم الفرق -بفتح الفاء والراء وبإسكانها- أيضا لغتان والفتح أفصح وأشهر ، وزعم الباجي أنه الصواب ، وليس كما زعم ، بل هما لغتان .

وقال ابن الأثير : الفرق بالتحريك : مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وهي اثني عشر مدا ، وثلاثة أصوع عند أهل الحجاز ، وقيل : الفرق خمسة أقساط ، والقسط نصف صاع ، فأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلا ، وقال أصحابنا في كتب الفقه : الفرق ستة وثلاثون رطلا ، وكذا ذكره صاحب "الهداية " ثم علله بقوله : لأنه أقصى ما يقدر به .

وقال القاضي : قال أحمد بن يحيى : الفرق اثني عشر مدا ، وقال أبو الهيثم : هو إناء يأخذ ستة عشر رطلا ، وذلك ثلاثة آصع ، وكذلك فسره سفيان في كتاب مسلم

[ ص: 238 ] أنه ثلاثة آصع ، وحكي عن أبي زيد أنه إناء يسع أربعة أرباع ، وقال غيره : هو إناء ضخم من مكاييل أهل العراق .

قلت : فعل هذا لم يتقرر الفرق على ستة عشر رطلا ، فلم يكن ثلاثة أصوع ، ولا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا ، فحينئذ لم يتم استدلالهم بما ذكروه ، فافهم .

ثم إنه أخرج حديث عائشة من ثلاثة طرق صحاح :

الأول : عن فهد بن سليمان ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري وأبي داود ، عن زائدة بن قدامة ، عن جعفر بن برقان الكلابي الجزري ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

وأخرجه أبو داود : ثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : "أن رسول الله - عليه السلام - كان يغتسل من إناء -وهو الفرق- من الجنابة " .

قال معمر : عن الزهري في الحديث قالت : "كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد . فيه قدر الفرق " .

وأخرجه مسلم نحوه .

الثاني : عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

وأخرجه البخاري : ثنا آدم بن أبي إياس ، قال : ثنا ابن أبي ذئب . . . إلى آخره نحوه سواء .

[ ص: 239 ] الثالث : عن صالح بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد القرشي المقرئ القصير شيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن محمد بن مسلم الزهري . . . إلى آخره .

وأخرجه النسائي : أنا قتيبة ، قال : ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : "كان رسول الله - عليه السلام - يغتسل في القدح هو الفرق ، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد " .

قوله : "من إناء واحد ، من قدح " كلمة "من " في قوله : "من إناء " لبيان الجنس ، والتي في قوله : "من قدح " لبيان النوع ، وليس المراد أنه كان يغتسل بملء الفرق ، بدليل الحديث الآخر : "كان يغتسل بالصاع " .

واعلم أن العلماء أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ في الغسل والوضوء غير مقدر ، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء ; لأن الغسل هو الإسالة ، فإذا لم يسل يصير مسحا ، وذا لا يجوز ، وقال الشافعي : وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي . وقالوا : المستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع ، ولا في الوضوء عن مد .

وأجمعوا أيضا على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر .

ثم الأظهر أنه كراهة تنزيه لا تحريم ، خلافا لبعض الشافعية .

التالي السابق


الخدمات العلمية