صفحة جزء
3179 3180 ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - أيضا في إباحة الدخول في الصيام بعد دخول الفجر .

حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق وعلي بن شيبة ، قالوا : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا شعبة ، عن طلحة بن يحيى ، عن عائشة بنت طلبة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : "كان نبي الله - عليه السلام - يحب طعاما ، فجاء يوما فقال : عندكم من ذلك الطعام ؟ فقلت : لا . فقال : إني صائم " .

حدثنا علي ، قال : ثنا روح ، قال : أنا الثوري ، عن طلحة . . . فذكر بإسناده مثله .

فذلك عندنا على خاص من الصوم أيضا ، وهو التطوع ينويه الرجل بعد ما يصبح في صدر النهار الأول .


ش: أخرج هذا الحديث شاهدا لما قاله أهل المقالة الثانية من جواز الدخول في الصيام بعد دخول الفجر ، ولكنه محمول على خاص من الصوم وهو التطوع ينويه الرجل في أول النهار وذلك لأنه - عليه السلام - لما قالت له عائشة : ليس عندنا طعام حين سألها الطعام قال : إني صائم ، وذلك كان في أول النهار ، فدل هذا على أن النية في صوم التطوع يجوز من النهار ما لم تزل الشمس ; وذلك لأنه توجد النية وقت الركن

[ ص: 281 ] وهو الإمساك وقت الغداة المتعارف ، ولهذا لا يجوز إذا نوى بعد الزوال لخلو بعض الركن عن الشرط .

فإن قيل : كيف يكون هذا شاهدا لما قاله أهل المقالة الثانية والنزاع في النية المتأخرة في صوم رمضان ، وهذا في التطوع ؟ ! .

قلت : صوم رمضان ها هنا كالتطوع ; لتعين الوقت فيه للصوم الفرض بخلاف النذر المطلق ، وقضاء رمضان ، وصوم الكفارات كما ذكرناه .

ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين صحيحين :

الأول : عن أبي بكرة بكار وابن مرزوق وعلي بن شيبة ، ثلاثتهم عن روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي المدني نزيل الكوفة روى له الجماعة سوى البخاري ، عن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية المدنية عمة طلحة بن يحيى المذكور ، روى لها الجماعة ، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - .

وأخرجه الدارقطني في "سننه " : ثنا عبد الله بن محمد بن زياد ، ثنا العباس بن محمد وأبو أمية ، قالا : ثنا روح بن عبادة ، ثنا شعبة . . . إلى آخره نحوه سواء .

الثاني : عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن سفيان الثوري ، عن طلحة . . . إلى آخره .

وأخرجه الجماعة غير البخاري :

فقال مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا وكيع ، عن طلحة بن يحيى ، عن عمته عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - : "دخل علي رسول الله - عليه السلام - ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إذا صائم . ثم أتانا يوما آخر فقلنا : يا رسول الله أهدي لنا حيس . فقال : أدنيه فلقد أصبحت صائما ، فأكل " .

[ ص: 282 ] وقال أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : ثنا وكيع ، عن طلحة بن يحيى ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة قالت : "كان النبي - عليه السلام - إذا دخل علي قال : هل عندكم طعام ؟ فإذا قلنا لا قال : إني صائم " .

وقال الترمذي : ثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن طلحة بن يحيى ، عن عمته عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : "دخل علي رسول الله - عليه السلام - يوما فقال : هل عندكم شيء ؟ قالت : قلت : لا ، قال : فإني صائم " .

وقال النسائي : أنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنا وكيع ، قال : أنا طلحة بن يحيى . . . إلى آخره نحوه .

وأخرجه النسائي من وجوه كثيرة .

وقال ابن ماجه : ثنا إسماعيل بن موسى ، ثنا شريك ، عن طلحة بن يحيى ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت : "دخل علي رسول الله - عليه السلام - فقال : هل عندكم شيء ؟ فنقول : لا ، فيقول : إني صائم ، فيقيم على صومه ثم يهدى لنا شيء فيفطر . . . " الحديث .

قوله : "كان يحب طعاما . . . " أي : طعاما من الأطعمة ، أراد به نوعا خاصا منها ، والظاهر أنه كان حيسا ، وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق .

وهذا الحديث حجة على الظاهرية في منعهم ذلك إلا بنية من الليل .

[ ص: 283 ] وقال ابن حزم في "المحلى " : ولا يجزئ صوم التطوع إلا بنية من الليل ، وهو قول مالك وأبي سليمان .

قلت : مذهب الجمهور جواز ذلك ما لم ينتصف النهار ، وهو مذهب عائشة أم المؤمنين ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عباس ، وأنس ، وأبي طلحة ، وأبي أيوب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة ، وابن مسعود - رضي الله عنهم - .

وهو قول جماعة من التابعين أيضا منهم : سعيد بن المسيب وعطاء الخراساني ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد والنخعي ، والشعبي ، والحسن البصري .

وأما نية صوم التطوع بعد الزوال فغير جائزة عند أصحابنا ، وقال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل : من أصبح وهو ينوي الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولم يطأ ; فله أن ينوي الصوم ما لم تغلب الشمس ويصح صومه .

وروي نحو ذلك عن حذيفة أنه قال : " من بدا له في الصيام بعد أن تزول الشمس فليصم " .

ويروى ذلك عن عطاء ، وسعيد بن المسيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية