صفحة جزء
3215 3216 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- : فذهب قوم إلى الإفطار في شهر رمضان في السفر ، وزعموا أنه أفضل من الصيام . واحتجوا في ذلك بهذه الآثار ، حتى قال بعضهم : إن صام في السفر لم يجزه الصوم وعليه قضاؤه في أهله ، ورووا عن عمر - رضي الله عنه - :

حدثنا ابن أبي عقيل ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم ، عن عبد الله بن عامر : "أن عمر - رضي الله عنه - أمر رجلا صام في السفر أن يعيد " .

ورووه عن أبي هريرة :

حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا زهير ، قال : ثنا عبد الكريم ، عن عطاء ، عن المحرر بن أبي هريرة قال : "صمت رمضان في السفر ، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي " .


[ ص: 330 ] ش: أراد بالقوم هؤلاء : سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي ومجاهدا وقتادة وأبا جعفر محمد بن علي والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ; فإنهم قالوا : الفطر في السفر أفضل من الصوم . واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة .

وقال ابن العربي : قالت الشافعية : الفطر أفضل في السفر .

وقال أبو عمر : قال الشافعي : هو مخير ، ولم يفضل وكذلك قال ابن علية .

وقال الترمذي : قال الشافعي : وإنما معنى قول النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصوم في السفر " ، وقوله حين بلغه أن ناسا صاموا فقال : "أولئك العصاة "

فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى ، فأما من رأى الفطر مباحا وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي .

وقال القاضي : مذهب الشافعي أن الصوم أفضل .

وقال أبو عمر : وروي عن ابن عمر وابن عباس أن الرخصة أفضل . وممن كان لا يصوم في السفر حذيفة ، وروي عن ابن عباس من وجوه : "إن شاء صام ، وإن شاء أفطر " .

قوله : "حتى قال بعضهم " أراد به الحسن البصري والظاهرية ، فإنهم قالوا : إن صام في السفر لم يجز صومه وعليه أن يعيده إذا أقام .

وقال ابن حزم في "المحلى " : من سافر في رمضان سفر طاعة أو معصية أو لا طاعة ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا جاوز ميلا أو بلغه أو واراه ، وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك ، ويقضي بعد ذلك في أيام أخر ، وله أن يصومه تطوعا ، أو عن واجب لزمه ، أو قضاء عن رمضان ، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره .

وقالت الظاهرية : إذا لم يكن الصوم في السفر من البر يكون من الإثم .

[ ص: 331 ] وقال أبو عمر : يروى ذلك عن عمر وابن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس على اختلاف عنه .

قلت : قد ذكر الطحاوي عن عمر وأبي هريرة .

أما الذي روي عن عمر : فقد أخرجه عن عبد الغني بن رفاعة بن عبد الملك بن أبي عقيل المصري شيخ أبي داود أيضا ، عن سفيان بن عيينة ، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني فيه مقال ، قال أحمد : ليس بذاك . وعن يحيى : ضعيف . وقال أبو حاتم : منكر الحديث مضطرب الحديث ، ليس له حديث يعتمد عليه . وقال الدراقطني : مدني يترك وهو مغفل . وقال العجلي : لا بأس به . وروى له الأربعة : النسائي في "اليوم والليلة " .

وهو يروي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي ، وهو أدرك النبي - عليه السلام - ومات وهو ابن خمس سنين . قال ابن منده : وهو يروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل ، عن أبيه : "أن رجلا صام في رمضان في السفر ، فأمره عمر - رضي الله عنه - أن يعيد " .

وأما الذي روي عن أبي هريرة : فأخرجه عن فهد ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، عن زهير بن معاوية ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري الحراني ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن المحرر-براءين مهملتين الأولى مشددة مفتوحة - عن أبي هريرة .

وهذا إسناد حسن .

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : نا الفضل بن دكين ، عن زهير ، عن عبد الكريم ، عن عطاء ، عن المحرر بن أبي هريرة قال : "صمت في رمضان في السفر ، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي " .

[ ص: 332 ] وأما الذي روي عن ابن عمر : فأخرجه ابن حزم في "المحلى " : من طريق حماد بن سلمة ، عن كلثوم بن جبر : "أن امرأة صحبت ابن عمر في سفر ، فوضع الطعام فقال لها : كلي . قالت : إني صائمة ، قال : لا تصحبينا " .

وأما الذي روي عن عبد الرحمن بن عوف : فأخرجه ابن حزم أيضا : من طريق أبي معاوية ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " .

ثم قال : هذا إسناد في غاية الصحة .

وأما الذي روي عن ابن عباس : فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا أبو داود الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن عمار مولى بني هاشم ، ابن عباس : "أنه سئل عن رجل صام رمضان في سفر ، فقال : لا يجزئه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية