صفحة جزء
3217 3218 3219 3220 3221 3222 3223 3224 3225 3226 3227 3228 3229 3230 3231 3232 3233 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من قول النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصيام في السفر " : أنه قد يحتمل غير ما حملوه عليه ; يحتمل ليس من البر الذي هو أبر البر وأعلى مراتب البر الصوم في

[ ص: 333 ] السفر ، وإن كان الصوم في السفر برا إلا أن غيره في البر أبر منه ، كما قال - عليه السلام - : "ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ، قالوا : فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي يستحيي أن يسأل ، ولا يجد ما يغنيه ، ولا يفطن له فيعطى " .

حدثنا بذلك ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو عمر الحوضي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله عن النبي - عليه السلام - بذلك .

حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا قبيصة ، قال : ثنا سفيان ، عن إبراهيم الهجري . . . فذكر بإسناده مثله .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - نحوه .

حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا علي بن عياش ، قال : ثنا ابن ثوبان ، عن عبد الله بن الفضل ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

فلم يكن معنى قوله : "ليس المسكين بالطواف " على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها ، ولكنه أراد بذلك : ليس هو المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس ، ولا يعرف فيتصدق عليه ، فكذلك قوله : "ليس البر الصيام في السفر " ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون برا ، ولكنه على معنى : ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر ; لأنه قد يكون الإفطار هناك أبر فيه إذا كان على التقوي للقاء العدو وما أشبه ذلك ، فهذا معنى صحيح ، وهو أولى ما حمل عليه معنى هذه الآثار حتى لا تتضاد هي وغيرها مما قد روي في هذا الباب ; فإنه حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر فأفطر الناس ، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام - " .

[ ص: 334 ] حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا مالك وابن جريج ، قالا : ثنا ابن شهاب . . . فذكر بإسناده مثله .

حدثنا علي ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله ، غير أنه قال : "حتى أتى عسفان " .

حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة . . . فذكر بإسناده مثله .

حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا حيوة بن شريح ، قال : ثنا أبو الأسود ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، حدثه عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - خرج عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ، فبلغه أن الناس شق عليهم الصيام ، فدعا رسول الله - عليه السلام - بقدح من لبن فأمسكه في يده حتى رآه الناس -وهو على راحلته- حوله ، ثم شرب رسول الله - عليه السلام - فأفطر ، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب " .

فصام رسول الله - عليه السلام - في السفر وأفطر .

حدثنا علي ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا حماد ، عن أبي الزبير ، عن جابر : "أن رسول الله - عليه السلام - سافر في رمضان ، فاشتد الصوم على رجل من أصحابه ، فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر ، فأخبر النبي - عليه السلام - بأمره فدعا بإناء ، فلما رآه الناس على يده أفطروا " .

حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : ثنا ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : "خرج رسول الله - عليه السلام - عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس معه ، فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام ينظرون فيما بلغت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر ، فشرب والناس ينظرون ، فبلغه أن ناسا صاموا بعد ذلك ، فقال : أولئك العصاة " .

[ ص: 335 ] حدثنا بحر بن نصر ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن قزعة قال : "سألت أبا سعيد عن صيام رمضان في السفر ؟ فقال : خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - في رمضان عام الفتح ، فكان رسول الله - عليه السلام - يصوم حتى بلغ منزلا من المنازل فقال : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر ، ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال : إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأفطروا ، فكانت عزيمة من رسول الله - عليه السلام - ، ثم لقد رأيتني أصوم مع رسول الله - عليه السلام - قبل ذلك وبعد ذلك " .

حدثنا فهد ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا يحيى بن أيوب ، قال : ثنا حميد الطويل ، أن بكر بن عبد الله حدثه قال : سمعت أنسا يقول : "إن رسول الله - عليه السلام - كان في سفر ومعه أصحابه ، فشق عليهم الصوم ، فدعا رسول الله - عليه السلام - بإناء فشرب وهو على راحلته ، والناس ينظرون إليه " .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن رجل من أصحاب رسول الله - عليه السلام - قال : "لقد رأيت رسول الله بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر ، ثم إن رسول الله - عليه السلام - لما بلغ الكديد أفطر " .

حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سعيد بن عبد العزيز ، قال : ثنا عطية بن قيس ، عن قزعة بن يحيى ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - لليلتين مضتا من رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغ الكديد فأمرنا بالإفطار ، فأصبحنا ومنا الصائم ومنا المفطر ، فلما بلغنا مر الظهران أعلمنا بلقاء العدو ، وأمرنا بالإفطار " .

قال أبو جعفر -رحمه الله- : ففي هذه الآثار إثبات جواز الصوم في السفر ، وأن رسول الله - عليه السلام - إنما كان تركه إياه إبقاء على أصحابه ، أفيجوز لأحد أن يقول في ذلك الصوم أنه لم يكن برا لا يجوز هذا ؟ ! ولكنه بر ، وقد يكون الإفطار أبر منه إذا كان يراد

[ ص: 336 ] به القوة للقاء العدو الذي أمرهم رسول الله - عليه السلام - بالفطر من أجله ، ولهذا المعنى قال لهم النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصوم في السفر " على هذا المعنى الذي ذكرنا .


ش: أي : وكان من الحجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى : في الذي احتجوا به عليهم من قوله - عليه السلام - : "ليس البر الصيام في السفر " وأراد بها الجواب عن ذلك .

بيانه أن يقال : إن استدلالهم بهذا الحديث لا يتم ; لأنه ليس المراد من نفي البر نفي نفس البر ، وإنما هو نفي أعلى مراتب البر ، والمعنى : ليس أبر البر وأعلى مراتب البر الصيام في السفر ; لأنه وإن كان الصوم في السفر برا فقد يكون الفطر أبر منه فيما إذا كان في حج أو جهاد ، ليقوى عليه ، فيكون هذا من نظير قوله - عليه السلام - : "ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان . . . " الحديث ، ومعلوم أن من يطوف مسكين ، وأنه من أهل الصدقة إذا لم يكن له شيء ، وقال - عليه السلام - : "ردوا المسكين ولو بكراع محرق " .

وقالت عائشة - رضي الله عنها - : "إن المسكين ليقف على بابي . . . " الحديث ، فعلم أن قوله - عليه السلام - : "ليس المسكين بالطواف " معناه : ليس السائل بأشد الناس مسكنة ; لأن المتعفف الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى هو أشد الناس مسكنة ، فلم يخرج المسكين بالطواف من أسباب المسكنة كلها ، ولكنه خرج عن حد المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس ولا يعرف فيتصدق عليه ، وكذلك قوله - عليه السلام - : "ليس من البر الصيام في السفر " ليس معناه إخراج الصوم في السفر من أن يكون برا ، ولكن معناه : ليس من البر الذي هو أبو البر وأكمله وأتمه الصوم في السفر ; لأنه قد يكون الإفطار أبر فيه من غيره إذا كان في حج أو جهاد ، أو لمن كان يريد أخذ الرخصة التي تصدق الله بها على عبيده ، وقد مر الكلام فيه مرة في

[ ص: 337 ] باب : "التسمية على الوضوء " ، وقد تكلم ابن حزم في هذا الموضع بكلام سخيف من غير تروي ولا فهم صحيح فقال : وقال بعض أهل الجهل والجرأة على القول بالباطل في الدين معنى قوله : - عليه السلام - "ليس من البر الصيام في السفر " مثل قوله : - عليه السلام - "ليس المسكين بهذا الطواف لا هذا تحريف للكلم عن مواضعه ، وكذب على رسول الله - عليه السلام - ، وتقويل له ما لم يقل ، وفاعل هذا يتبوأ مقعده من النار بنص قوله - عليه السلام - . . . إلى غير ذلك من الهذيانات والخرفات .

قلت : هذا الكلام السخيف كله لأجل تمشية مذهبه الباطل ، وليس ما ذكروه تحريف الكلم عن مواضعه ، وإنما هو تأويل صحيح لأجل التوفيق بينه وبين غيره من الأحاديث التي تعارضه ; وذلك لأنه رويت أحاديث صحيحة بصوم رسول الله - عليه السلام - في السفر ، فإذا لم يؤول الحديث المذكور بهذا التأويل يقع التضاد بين الأخبار ، ودفع التعارض والتضاد مهما أمكن واجب ; لتصحيح معاني الأخبار والعمل بكلها ، وابن حزم حفظ شيئا وقد غابت عنه أشياء ، حيث لم يجوز الصوم في السفر ، والحال أنه - عليه السلام - قد صام فيه ، وكذلك صام جماعة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - .

فإن قيل : يجوز أن يكون صومه - عليه السلام - في رمضان في سفره تطوعا .

قلت : هذا وإن كان محتملا ولكنه لم يثبت أنه صام تطوعا ، على أن الأقرب أن صومه كان من رمضان ; لأنه لا يترك الفرض إلى أيام أخر مع كون الإدراك مظنونا ويصوم التطوع .

ثم إنه أخرج حديث "ليس المسكين . . . " إلى آخره في هذا الكتاب في موضعين قبل هذا الموضع :

أحدهما : في باب : "التسمية على الوضوء " .

والثاني : في باب : "من صلى خلف الصف وحده " .

[ ص: 338 ] أما في باب التسمية على الوضوء فقد أخرجه من خمس طرق :

الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري وأبي داود ، عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، عن إبراهيم بن مسلم الهجري ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة الكوفي ، عن عبد الله بن مسعود .

الثاني : عن علي بن شيبة ، عن قبيصة بن عقبة السوائي ، عن سفيان الثوري ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - عليه السلام - .

الثالث : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن أبي الوليد عبد الله بن الحارث الأنصاري البصري نسيب محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - .

وأخرجه الجماعة غير ابن ماجه من حديث أبي هريرة .

الرابع : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن علي بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة والشين المعجمة- الحمصي ، عن عبد الرحمن بن ثوبان العنسي ، عن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث القرشي المدني ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - عليه السلام - .

وهذا الطريق معلول بابن ثوبان ; لأن يحيى ضعفه ، وعنه : لا شيء . وعن النسائي : ليس بثقة . وعن دحيم : ثقة يرمى بالقدر .

فهذه الأربعة أخرجها بعينها ها هنا فاعتبر ذلك .

الخامس : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - .

[ ص: 339 ] وهذا الطريق غير مذكور في بعض النسخ ها هنا ، وفي بعضها موجود وهو الأقرب والأظهر .

وأما في باب : "من صلى خلف الصف وحده " [ . . . ] .

قوله : "وهو أولى ما حمل عليه " أي المعنى الصحيح الذي ذكره هو أولى ما تحمل عليه هذه الآثار ، وأراد بها أحاديث : "ليس المسكين " حتى لا تتضاد هي -أي هذه الآثار- وغيرها من الآثار التي رويت في هذا الباب ، أي في باب الصوم والإفطار في السفر ; وذلك لأنه إذا تأول هذه الآثار بالتأويل الذي ذكره يعارضها ما رواه عبد الله بن عباس وغيره ، فيقع بين الأحاديث تعارض وتنافي ، فبالتأويل المذكور تتفق معاني الأحاديث الواردة في هذا الباب .

وبين الأحاديث التي فيها الصوم في السفر بقوله : فإنه حدثنا يونس . . . إلى آخره ، أي : فإن الشأن قد حدثنا . . . إلى آخره .

وأخرج ها هنا عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك ورجل من أصحاب النبي - عليه السلام - .

أما حديث ابن عباس فأخرجه من ست طرق صحاح :

الأول : عن يونس بن عبد الأعلى . . . إلى آخره .

ورجاله كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، قال : ثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - خرج إلى مكة في رمضان فصام ، حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس " . والكديد ما بين عسفان وقديد انتهى " .

وليس في روايته : "وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام - " .

[ ص: 340 ] وهو في رواية مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح ، قالا : أنا الليث .

وثنا قتيبة بن سعيد ، قال : ثنا ليث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس أنه أخبره : "أن رسول الله - عليه السلام - خرج عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر . قال : وكان صحابة رسول الله - عليه السلام - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره " .

وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم ، عن سفيان ، عن الزهري ، بهذا الإسناد مثله .

قال يحيى : قال سفيان : لا أدري من قول من هو . يعني كان يؤخذ بالآخر من قول رسول الله - عليه السلام - .

وحدثني محمد بن رافع ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، بهذا الإسناد .

قال الزهري : وكان النظر آخر الأمرين ، وإنما يؤخذ من أمر رسول الله - عليه السلام - بالآخر فالآخر . قال الزهري : فصبح رسول الله - عليه السلام - مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان .

وحدثني حرملة بن يحيى قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثل حديث الليث .

قال ابن شهاب : "فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام - ويرونه الناسخ المحكم " انتهى .

وقال القاضي عياض في "شرح مسلم " : قال ابن شهاب : وكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام - . وقد بين في حديث أبي رافع أنه من كلام ابن شهاب ، وفسر فيه ما أبهمه ابن عيينة من قوله : لا أدري من قول من هو ;

[ ص: 341 ] ولذلك أدخل مسلم هذا الطريق المفسر بعد حديث ابن عيينة ; تفسيرا لمبهمه ، وهو دليل إحسانه في التأليف .

قال الإمام أبو عبد الله : يحمل قول ابن شهاب على أن النسخ في غير هذا الموضع ، وإنما أراد أن الأواخر من أفعاله - عليه السلام - تنسخ الأوائل إذا كان مما لا يمكن فيه البناء ، إلا أن يقول قائل : إنه من ابن شهاب ميل إلى القول بأن الصوم لا ينعقد في السفر ، فيكون كمذهب بعض أهل الظاهر ، وهو غير معروف عنه .

الثاني : عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن مالك بن أنس وعبد الملك بن جريج ، كلاهما عن الزهري . . . إلى آخره .

وأخرجه الدارمي في "سننه " : أبنا خالد بن مخلد ، نا مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : " خرج رسول الله - عليه السلام - عام الفتح فصام وصوم الناس ، حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس ، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من فعل رسول الله - عليه السلام - " .

الثالث : عن علي بن شيبة أيضا . . . إلى آخره .

وأخرجه مسلم : ثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : "سافر رسول الله - عليه السلام - في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس ، ثم أفطر حتى دخل مكة . قال ابن عباس : فصام رسول الله - عليه السلام - وأفطر ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر " .

وأخرجه البخاري نحوه .

قلت : فهذا كما ترى عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس . وكذا

[ ص: 342 ] وقع في رواية أبي داود والنسائي . ورواية الطحاوي عن مجاهد عن ابن عباس بدون ذكر طاوس بينهما .

وكذا أخرجه البزار في "مسنده " ، ثم قال : وقد روي عن ابن عباس من غير هذا الوجه بغير هذا الإسناد وبغير هذا اللفظ .

الرابع : عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي . . . إلى آخره .

وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، قال : نا أبو عوانة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : "خرج النبي - عليه السلام - من المدينة إلى مكة حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بإناء فرفعه إلى يده ليريه الناس ، وذلك في رمضان . فكان ابن عباس يقول : قد صام النبي - عليه السلام - وأفطر ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر " .

الخامس : عن فهد ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، عن إسرائيل بن يونس ، عن منصور بن المعتمر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس . . . إلى آخره .

وأخرجه النسائي : أخبرنا محمد بن قدامة ، عن جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : "سافر رسول الله - عليه السلام - في رمضان حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بإناء فشرب نهارا يراه الناس ثم أفطر " .

السادس : عن ربيع بن سليمان الجيزي شيخ أبي داود والنسائي ، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحجري المصري المؤذن ، عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي المصري الفقيه الزاهد العابد ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس . . . إلى آخره .

وأخرجه البزار في "مسنده " مختصرا ، ولفظه : عن عكرمة ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - كان يصوم في السفر ويفطر " .

وأما حديث جابر فأخرجه من طريقين صحيحين :

[ ص: 343 ] الأول : عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر بن عبد الله .

وأخرجه الحكم في "مستدركه " : أخبرني عبد الله بن الحسن القاضي بمرو ، ونا الحارث بن أبي أسامة ، ثنا يزيد بن هارون ، أنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : "أن النبي - عليه السلام - سافر في رمضان ، فاشتد الصوم على رجل من أصحابه ، فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجرة ، فأخبر النبي - عليه السلام - بأمره ، فأمره أن يفطر ، ثم دعا النبي - عليه السلام - بإناء فوضعه على يده ثم شرب والناس ينظرون " .

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

وأخرج أحمد في "مسنده " : ثنا روح ، ثنا زكرياء ، ثنا أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول : "كنا مع النبي - عليه السلام - في غزوة غزاها وكان في رمضان ، فصام رجل من أصحاب النبي - عليه السلام - فضعف ضعفا شديدا وكاد العطش أن يقتله ، وجعلت ناقته تدخل تحت العضاه ، فأخبر به النبي - عليه السلام - فقال : ائتوني به ، فأتي به فقال : ألست في سبيل الله ومع رسول الله ؟ أفطر ، فأفطر " .

الثاني : عن محمد بن خزيمة بن راشد وفهد بن سليمان ، كلاهما عن عبد الله بن صالح وراق الليث ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب المدني الصادق ، عن أبيه محمد بن علي الباقر ، عن جابر بن عبد الله .

وأخرجه مسلم : حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب -يعني : ابن عبد المجيد - قال : ثنا جعفر ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله : "أن رسول الله - عليه السلام - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثم

[ ص: 344 ] دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ، فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة "
.

وأما حديث أبي سعيد الخدري ، فأخرجه من طريقين صحيحين :

الأول : عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني وثقه يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن معاوية بن صالح بن حدير الحمصي قاضي الأندلس روى له الجماعة ، البخاري في غير "الصحيح " .

عن ربيعة بن يزيد الدمشقي أبي شعيب الإيادي القصير روى له الجماعة ، عن قزعة بن يحيى -ويقال : ابن الأسود - أبي غادية البصري روى له الجماعة ، عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري .

وأخرجه أبو داود : ثنا أحمد بن صالح ووهب بن بيان -المعنى- قالا : نا ابن وهب ، قال : حدثني معاوية ، عن ربيعة بن يزيد ، أنه حدثه عن قزعة قال : "أتيت أبا سعيد الخدري وهو يفتي الناس وهو مكثور عليه ، فانتظرت خلوته ، فلما خلى سألته عن صيام رمضان في السفر ، فقال : خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - في رمضان عام الفتح ، فكان رسول الله - عليه السلام - يصوم ونصوم ، حتى بلغ منزلا من المنازل فقال : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر قال : ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال : إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأفطروا ، فكانت عزيمة من رسول الله - عليه السلام - . قال أبو سعيد : ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي - عليه السلام - قبل ذلك وبعد ذلك " .

وأخرجه مسلم : عن محمد بن حاتم ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن قزعة ، عن أبي سعيد ، نحوه .

الثاني : عن أبي بكرة بكار ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أبي محمد الدمشقي ، فقيه الشام [ ص: 345 ] ومفتيهم بعد الأوزاعي ، روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح " .

عن عطية بن قيس الكلابي أبي يحيى الحمصي الدمشقي روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، عن قزعة بن يحيى المذكور آنفا ، عن أبي سعيد الخدري .

وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث سعيد بن عبد العزيز ، عن عطية بن قيس ، عن قزعة ، عن أبي سعيد الخدري قال : "أمرنا رسول الله - عليه السلام - بالرحيل عام الفتح في ليلتين خلتا من شهر رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد ، فأمرنا رسول الله - عليه السلام - بالفطر فأفطرنا أجمعين .

وفي رواية أبي يوسف التنيسي عن سعيد : "حتى إذا بلغ الظهران آذنا بلقاء العدو ، وأمرنا بالفطر ، فأصبح الناس شرجين ، منهم الصائم والمفطر ، حتى إذا بلغنا المنزل الذي نلقى العدو فيه أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين " .

وأخرجه الترمذي من طريق ابن المبارك عن سعيد وصححه .

وأما حديث أنس - رضي الله عنه - فأخرجه أيضا بإسناد صحيح : عن فهد بن سليمان ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى له الجماعة ، عن حميد بن أبي حميد الطويل البصري روى له الجماعة ، عن بكر بن عبد الله المزني البصري روى له الجماعة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - .

وأما حديث رجل من أصحاب النبي - عليه السلام - فأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم ابن مرزوق ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن مالك بن أنس ، عن سمي القرشي المخزومي أبي عبد الله المدني روى له الجماعة ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة بالمدينة قيل : اسمه محمد ، وقيل : اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن روى له الجماعة ، عن رجل من أصحاب النبي - عليه السلام - .

[ ص: 346 ] وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحاب رسول الله - عليه السلام - : "أن النبي - عليه السلام - أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال : تقووا لعدوكم ، وصام النبي - عليه السلام - . قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت النبي - عليه السلام - بالعرج يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر ، فقيل : يا رسول الله إن طائفة من الناس صاموا حين صمت ، فلما كان بالكديد دعا بقدح فشرب ، فأفطر الناس " .

ثم نتكلم في معاني الأحاديث المذكورة وما يستنبط منها من الأحكام :

الأول : فقوله : "عام الفتح " أي فتح مكة ، كان في سنة تسع من الهجرة .

قوله : "حتى بلغ الكديد " بفتح الكاف وهي عين جارية ، بها نخيل كثيرة ، بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلا ، وفي رواية البخاري : "إن الكديد ما بين عسفان وقديد " ، وعسفان : قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلا من مكة ; سميت بها لتعسف السيول فيها .

"وقديد " : بضم القاف وفتح الدال موضع قريب من عسفان فكأنها في الأصل تصغير قد ، قال القاضي : قال في رواية : "حتى بلغ الكديد " ، وفي رواية : "حتى بلغ عسفان " ، وفي الأخرى : "حتى بلغ كراع الغميم " وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح ، وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها ، وإن كانت عسفان متباعدة شيئا عن هذه المواضع ، فكلها مضافة إليها ، ومن عملها ، فاشتمل عليها اسمها ، وقد يكون أنه كلم الناس بحال الناس ومشقة ذلك عليهم ، وكان فطرهم بالكديد ، ويعضده ما جاء في حديث "الموطأ " : "فقيل لرسول الله - عليه السلام - : إن ناسا صاموا حين صمت . فلما كان بالكديد دعا بقدح فأفطر الناس " .

و"الغميم " : بفتح الغين المعجمة وادي أمام عسفان بثمانية أميال ، يضاف إليها هذا الكراع ، وهو جبل أسود متصل به .

[ ص: 347 ] و"الكراع " : كل أنف سال من جبل أو حرة .

قوله : "تهيم به تحت الشجر " أي : تتقلب به حتى تدخل تحت الشجر من عدم تماسكه ، ومنه الرمل الأهيم وهو الذي لا يثبت ولا يتماسك .

وفي رواية أحمد : "وجعلت ناقته تدخل تحت العضاه " وهو كل شجر ذي شوك ، واحده عضة ، حذفت منه الهاء كشفة ، ردت في الجمع فقالوا : عضاه كما قالوا : شفاه ، ويقال : عضاهة أيضا وعضهة أيضا .

قوله : "أولئك العصاة " جمع عاصي كالقضاة جمع قاضي .

قوله : "فكانت عزيمة من رسول الله - عليه السلام - " أي : وقعت عزيمة منه ، أو وجدت ، فتكون "كانت " تامة ، فلهذا لا تحتاج إلى خبر .

قوله : "ثم لقد رأيتني " بضم التاء أي : لقد رأيت نفسي .

قوله : "بالعرج " بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم ، وهي قرية جامعة من عمل الفرع ، على أيام من المدينة ، وأيضا العرج : عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج ، وهذه هي المرادة ها هنا ، والعرج أيضا : بلد بين المحالب والمهجم .

قوله : "صواما " بضم الصاد وتشديد الواو : جمع صائم ، وانتصابه على الحال من الضمير الذي في "فخرجنا " .

قوله : "مر الظهران " بضم الميم وتشديد الراء ، وهي التي يقال لها : بطن مر أيضا ، وهي موضع قريب من مكة على طريق الحاج .

قوله : "شرجين " بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وفتح الجيم ، معناه نصفين نصف صيام ونصف مفاطير .

والثاني : وهو الأحكام على وجوه : الأول : في أحاديث ابن عباس بيان صريح أنه - عليه السلام - صام في السفر ، وفيها رد على

[ ص: 348 ] من لم يجوز الصوم في السفر ، وفيها بيان إباحة الإفطار في السفر ، وفيها أن الاتباع في أفعال النبي - عليه السلام - وأقواله بالأحدث فالأحدث ، وبالآخر فالآخر .

الثاني : من حديث جابر ، استدل به من يقول : إن الصوم لا ينعقد في السفر ، وكذلك استدل به ابن حزم حتى قال : إن كان صومه لرمضان فقد نسخه بقوله : "أولئك العصاة " وصار الفطر فرضا ، والصوم معصية ، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا ، وإن كان صومه تطوعا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان لرمضان في السفر .

قلنا : هذا تخبيط ; فليس ها هنا نسخ ولا فرضية الفطر ولا صوم النبي - عليه السلام - كان تطوعا ، وإنما قال : "أولئك العصاة " ; لأن الصوم كان قد شق عليهم فأمرهم بالإفطار دفعا لتلك المشقة ، فصار الصوم في ذلك الوقت في تلك الحالة منهيا عنه ، فلما بلغه أن بعضهم قد صاموا قال : أولئك العصاة ; لارتكابهم المنهي ، ويؤيد هذا التأويل قوله : "إن الناس قد شق عليهم الصيام " .

الثالث : في حديث أبي سعيد أمور منها : أن فيه ردا على من يقول : إنه إذا أنشأ السفر في رمضان لم يجز له أن يفطر ، واحتجوا بقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه

وقال البخاري : ومعنى الآية شهود الشهر كله ومن شهد بعضه ولم يشهد كله فإنه لم يشهد الشهر . ومنها قال القاضي : فيه بيان جواز الفطر لمن بيت الصوم في السفر . وهو قول مطرف من أصحابنا وأحد قولي الشافعي خلافا للجمهور في أن ذلك لا يباح له ، واستدل هؤلاء على جواز ذلك بفطر النبي - عليه السلام - .

وأجاب الجمهور عن ذلك أنه يحتمل أن يكون - عليه السلام - قد بيت الفطر .

وقال القاضي : وظاهره غير ذلك ، وأنه ابتدأ الفطر حينئذ ، وقد يحتمل أنه للضرورة اللاحقة به وبهم ، والمشقة التي نالتهم ، أو فعل هو وهم ذلك لضرورة

[ ص: 349 ] التقوي على عدوهم كما جاء في الحديث أيضا منصوصا ، فلا يكون هذا بحكم الاختيار .

وقال المهلب : يحتمل أن يكون فطرهم في يومهم بعد تبييتهم الصوم ، ويحتمل أن يكون فيما يأتي ويستقبلون بعد يومهم ويبيتون فطرهم .

قال القاضي : ثم اختلف المانعون للفطر بعد عقد الصوم فيه : هل عليه كفارة أم لا ؟ وعن مالك وأصحابه في ذلك قولان ، وبسقوط الكفارة قال جمهور أصحابه وكافة أئمة الفتوى وعلماء الأمصار . وفرق ابن الماجشون في فطره فأوجب الكفارة إن كان بجماع ، وأسقطها بغيره ، وهو أحد قولي الشافعي على أصله في أنه لا يكفر إلا المجامع .

وكذلك اختلفوا في يوم خروجه :

فذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وجمهور العلماء أنه لا يفطر إذا خرج صائما ولا يوم خروجه وقد لزمه الصوم ، وقد ذهب بعض السلف وأحمد وإسحاق والمزني إلى جواز ذلك له .

وقال الحسن : له الفطر في بيته إذا أراد السفر في يومه . واختلف المذهب في وجوب الكفارة عليه عندنا في هذين الوجهين إن هو أفطر قبل خروجه أو هو أفطر بعده .

ومنها أن فيه جواز الصوم في السفر ردا على من منعه .

الرابع : في حديث رجل من أصحاب النبي - عليه السلام - جواز صب الماء على رأسه في نهار الصوم ، وأن ذلك لا يضر صومه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية