صفحة جزء
3366 ص: وأما حديث عمر بن حمزة فليس أيضا في إسناده كحديث بكير الذي قد ذكرنا ; لأن عمر بن حمزة ليس مثل بكير بن عبد الله في جلالته وموضعه من العلم وإتقانه ، مع أنهما لو تكافئا لكان حديث بكير أولاهما ; لأنه قول من رسول الله - عليه السلام - في اليقظة وذلك قول قد قامت به الحجة على عمر ، وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله - عليه السلام - في النوم ، وذلك ما لا تقوم به الحجة ، فما تقوم به الحجة أولى مما لا تقوم به الحجة .

ثم هذا ابن عمر - رضي الله عنه - قد حدث عن أبيه بما حكاه عمر بن حمزة في حديثه ، ثم قال بعد أبيه بخلاف ذلك .

حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن أبي حمزة ، عن مورق ، عن ابن عمر : " أنه سئل عن القبلة للصائم ، فأرخص فيها للشيخ ، وكرهها للشاب " .

[ ص: 494 ] فدل ذلك أن هذا كان عنده أولى مما حدث به عمر مما ذكره عمر بن حمزة في حديثه .


ش: هذا جواب عن حديث عمر بن حمزة الذي احتجت به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن حديث عمر بن حمزة لا يعادل حديث بكير بن عبد الله بن الأشج الذي احتجت به أهل المقالة الثانية ; لأن عمر بن حمزة لا يلحق بكيرا في جلالة قدره وإتقانه وضبطه ، وإن كان عمر بن حمزة أيضا قد روى له مسلم على أن يحيى بن معين قد ضعفه ، وقال ابن حزم فيه : لا شيء .

قوله : "مع أنهما . . . إلى آخره " جواب آخر ، بيانه : أن عمر بن حمزة وبكير بن عبد الله لو سلمنا أنهما تكافآ -يعني تساويا- في الصفات المذكورة وتعادلا في الرواية ، ولكن حديث بكير أولى بالعمل ; لأنه قول من رسول الله - عليه السلام - في حالة اليقظة ، ورواية عمر بن حمزة قول حكاه عن رسول الله - عليه السلام - في النوم وذلك مما لا تقوم به الحجة ، فلذلك قال ابن حزم : الشرائع لا تؤخذ بالمنامات وقد أفتى رسول الله - عليه السلام - عمر - رضي الله عنه - في اليقظة بإباحة القبلة للصائم ، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام .

قوله : "ثم هذا ابن عمر . . . إلى آخره " جواب آخر ، بيانه : أن عبد الله بن عمر قد حدث عن أبيه عمر - رضي الله عنه - بما رواه حمزة بن عمر ، عن سالم ، عنه ، عن أبيه عمر ، ثم قال بعد أبيه عمر بخلاف ذلك .

وهو ما أخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن المنهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة -بالحاء المهملة والزاي- اسمه محمد بن ميمون السكري روى له الجماعة ، عن مورق العجلي أبي المعتمر البصري الكوفي روى له الجماعة ، عن عبد الله بن عمر . . . إلى ، آخره .

[ ص: 495 ] وأخرج البيهقي في "سننه " : من حديث محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن : "أن فتى سأل ابن عمر عن القبلة وهو صائم ، فقال : لا ، فقال شيخ عنده : لم تحرج الناس وتضيق عليهم ؟ ! والله ما بذلك بأس . قال : أما أنت فقبل ; فليس عند استك خير " .

قوله : "فدل هذا " أي ما روي عن ابن عمر بعد أبيه كان عنده أولى مما حدث به عمر بن الخطاب مما ذكره عمر بن حمزة في حديثه ذلك .

وإلى هذا ذهب جماعة من الفقهاء ، فقالوا : تباح القبلة للصائم إذا كان شيخا ، وتكره إذا كان شابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية