صفحة جزء
3518 3519 ص: ثم ذكروا في ذلك ما حدثنا يونس وربيع المؤذن ، قالا : ثنا يحيى بن حسان ، قال : ثنا وهيب بن خالد ، وحماد بن زيد ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - عليه السلام - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن ، ولأهل اليمن يلملم ، ثم قال : فهي لهم ولكل من أتى عليهن من غيرهن ، فمن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك [على] أهل مكة" . .

[ ص: 44 ] حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا كثير بن هشام ، قال : ثنا جعفر بن برقان ، قال : "سألت عمرو بن دينار ، عن امرأة حاجة مرت بالمدينة ، فأتت ذا الحليفة ) وهي حائض ، فقال لها كريها : لو تقدمت إلى الجحفة فأحرمت منها فقال عمرو : : نعم" .

حدثنا طاوس - ولا نحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاوس - قال : قال ابن عباس : " وقت رسول الله - عليه ، السلام - . . . " ثم ذكر مثله إلا أنه لم يذكر من قوله : "فمن كان أهله . . . " إلى آخر الحديث .

قالوا : فكذلك أهل العراق ما أتوا عليه من هذه المواقيت فهو وقت لهم ، وما سواها فليس بوقت لهم .


ش: أي ثم ذكر هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه من أن أهل العراق لا وقت لهم كوقت سائر البلدان بما حدثنا . . . إلى آخره . وأخرجه من طريقين :

الأول : عن يونس بن عبد الأعلى وربيع بن سليمان المؤذن ، كلاهما عن يحيى بن حسان . . إلى آخره ، وهذا إسناد صحيح .

وأخرجه النسائي : أنا ربيع بن سليمان صاحب الشافعي ، قال : ثنا يحيى بن حسان . . . إلى آخره نحوه .

وأخرجه مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن آدم ، عن وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه . . . إلى آخره نحوه .

والبخاري : عن معلى بن أسد ، عن وهيب ، عن عبد الله بن طاوس . . إلى آخره نحوه .

غير أن في لفظهما : "فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" .

[ ص: 45 ] الثاني : عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن كثير بن هشام الكلابي الرقي شيخ أحمد ، عن جعفر بن برقان الكلابي الجزري ، عن عمرو بن دينار . . . إلى آخره . وهذا أيضا صحيح .

وأخرجه الطبراني نحوه ، عن فضيل الملطي ، عن أبي نعيم ، ثنا جعفر ، ثنا عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس رفعه ، وفي روايته : "ولأهل الطائف قرنا" انتهى .

وبقول عمرو بن دينار قالت جماعة من المالكية .

قوله : "فهي لهم" أي الأماكن المذكورة مواقيت لأهل المدينة والشام والنجد واليمن حتى إذا جاوزوا هذه الأماكن من غير إحرام يجب عليهم الدم .

وقال أبو عمر : اختلفوا في من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام فأحرم ثم رجع إلى الميقات ، فقال مالك : عليه دم ولا ينفعه رجوعه . وهو قول أبي حنيفة وعبد الله بن المبارك ، وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد : إن رجع إلى الميقات فقد سقط عنه الدم . لبى أو لم يلب .

وروي عن أبي حنيفة أنه إن رجع إلى الميقات فلبى ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلب لم يسقط عنه الدم ، وكلهم يقول : إن لم يرجع وتمادى فعليه دم .

وروي عن عطاء والنخعي أنه لا شيء على من ترك الميقات ، وعن سعيد بن جبير : إن لم يرجع حتى قضى حجه فلا حج له .

وعن الحسن البصري : إن لم يرجع حتى حج وتم حجه ، رجع إلى الميقات فأهل منه بعمرة .

فهذه الأقاويل الثلاثة شذوذ ضعيفة عند فقهاء الأمصار ؛ لأنها لا أصل لها في الآثار ، ولا تصح في النظر ، واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري [ ص: 46 ] وأبو ثور على أن من مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة ثم بدا له في الحج والعمرة : أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه الحج ، ولا يرجع إلى الميقات ، ولا شيء عليه .

وقال أحمد وإسحاق : يرجع إلى الميقات ويحرم منه .

وقال أيضا : واختلف الفقهاء في الرجل المريد للحج والعمرة يجاوز ميقات بلده إلى ميقات آخر .

فتحصيل مذهب مالك : أن من فعل ذلك فعليه دم ، واختلف أصحاب مالك في ذلك ؛ فمنهم من أوجب الدم فيه ، ومنهم من أسقطه ، وأصحاب الشافعي على إيجاب الدم في ذلك ، وهو قول الثوري والليث .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو أحرم المدني من ميقاته كان أحب إليهم ، فإن لم يفعل وأحرم من الجحفة ، فلا شيء عليه ، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور ، وكره أحمد وإسحاق مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة ، ولم يوجبا الدم في ذلك .

قوله : "ولكل من أتى عليهن" أي على الأماكن المذكورة ، وفي بعض النسخ : "ولكل آت أتى عليهن" كما في رواية غيره .

وقال القرطبي : "هن" ضمير جماعة المؤنث العاقل في الأصل ، وقد يعاد على ما لا يعقل ، وأكثر ذلك من العشرة فما دونها ، فإذا جاوزها قالوه بهاء المؤنث كما قال تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ثم قال : أربعة حرم أي من الاثني عشر ، ثم قال : فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي في هذه الأربعة .

وقد قيل : في الجميع . وهو ضعيف شاذ .

قوله : "فمن كان أهله دون الميقات" أراد أنه إذا كان وطنه بين الميقات وبين مكة فميقاته للإحرام من حيث ينشئ الإحرام ، أي من حيث يبتدئ ويشرع فيه .

[ ص: 47 ] قال أبو عمر : أجمعوا كلهم على أن من كان أهله دون المواقيت أن ميقاته من أهله حتى يبلغ مكة .

وفي هذه المسألة أيضا قولان شاذان :

أحدهما لأبي حنيفة : قال : يحرم من موضعه ، فإن لم يفعل فلا يدخل الحرم إلا حراما ، فإن دخل غير حرام فليخرج من الحرم ، وليهل من حيثما شاء من الحل .

والقول الآخر لمجاهد : قال : إذا كان الرجل منزله بين مكة والميقات أهل من مكة .

قوله : "قال لها كريها" بفتح الكاف وكسر الراء وتشديد الياء ، وهو المكتري .

التالي السابق


الخدمات العلمية