صفحة جزء
3652 [ ص: 159 ] ص: حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله في حديثه الطويل : فقال : "وأهل رسول الله - عليه السلام - بالتوحيد ولم يرد رسول الله - عليه السلام - على الناس شيئا ، ولسنا ننوي إلا الحج ، ، ولا نعرف العمرة" . .


ش: إسناده صحيح ، وحاتم بن إسماعيل المدني روى له الجماعة ، وجعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أبو عبد الله المدني الصادق ، أحد مشايخ أبي حنيفة ، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح . وأبوه محمد بن علي الباقر روى له الجماعة .

وأخرجه مسلم بطوله : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ، جميعا عن حاتم - قال أبو بكر حاتم بن إسماعيل المدني - عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : " (دخلت) على جابر بن عبد الله ، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا محمد بن علي بن حسين ، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب ، فقال : مرحبا بك يا ابن أخي ، سل عما شئت ، فسألته - وهو أعمى - وحضر وقت الصلاة ، فقام في ساجة ملتحفا بها ، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله - عليه السلام - فقال بيده ، فعقد تسعا ، فقال : إن رسول الله - عليه السلام - مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة : أن رسول الله - عليه السلام - حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - عليه السلام - ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله - عليه السلام - كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ، فصلى رسول الله - عليه السلام - في المسجد [ ص: 160 ] ثم ركب القصواء ، حتى إذا استوت ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله - عليه السلام - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، [لبيك] لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله - عليه السلام - شيئا منه ، ولزم رسول الله - عليه السلام - تلبيته ، قال جابر - رضي الله عنه - : لسنا ننوي إلا الحج ، ولا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول - ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي - عليه السلام - - كان يقرأ في الركعتين : قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى [إذا] انصبت قدماه في بطن الوادي [سعى] حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان [ ص: 161 ] منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن جعشم فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله - عليه السلام - أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج - مرتين - لا بل لأبد أبد . وقدم علي - رضي الله عنه - من اليمن ببدن النبي - عليه السلام - ، فوجد فاطمة - رضي الله عنها - ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : أبي أمرني بهذا ، فكان علي - رضي الله عنه - يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله محرشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله - عليه السلام - فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت : حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك - عليه السلام - ، قال : فإن معي الهدي ، فلا تحل ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي - رضي الله عنه - من اليمن والذي أتى به النبي - عليه السلام - مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصدوا إلا النبي - عليه السلام - ومن كان معه هدي . فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله - عليه السلام - فصلى بها [الظهر والعصر ، والمغرب] والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله - عليه السلام - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله - عليه السلام - حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله . فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن [ ص: 162 ] بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد اللهم اشهد - ثلاث مرات - ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله - عليه السلام - حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله - عليه السلام - وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى : أيها الناس ، السكينة السكينة ، وكلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتىالمزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله - عليه السلام - حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس - وكان رجلا حسن المنظر أبيض وسيما - فلما دفع رسول الله - عليه السلام - مرت به ظعن يجرين وطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله - عليه السلام - يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله - عليه السلام - يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر ، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها حصى الحذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بدنة وأعطى عليا - رضي الله عنه - فنحر ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، وأكلا من لحمها [ ص: 163 ] وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله - عليه السلام - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه .

وأخرجه أبو داود وابن ماجه بنحوه مطولا ، وأخرجه النسائي مختصرا .

قال القاضي عياض : قد تكلم الناس على ما في هذا الحديث من الفقه وكثروا ، وقد ألف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا ، وخرج فيه من الفقه مائة نوع ونيفا وخمسين ، ولو تقصي لزاد على هذا العدد قريب منه .

قوله : "فسأل عن القوم حتى انتهى إلي" وذلك لأن جابرا - رضي الله عنه - كان قد عمي حينئذ ففيه الاهتبال بالداخلين على الرجل والسؤال عنهم لينزل كل واحد منزله ويعرف لأهل الحق حقه .

قوله : "فنزع زري الأعلى" فيه إكرام الزائر بنزع رداءه وخلع خفيه .

وقوله : "وأنا يومئذ غلام شاب" فيه تنبيه على أن جابرا إما فعل ذلك به تأنيسا له لصغره ورقة عليه ؛ إذ لا يفعل هذا بالرجال الكبار ، من إدخال اليد في جيوبهم إكبارا لهم ، وفيه أن مس الغلمان الأجانب على وجه الرقة ولغير التلذذ جائز ، وإنما يحرم من لمس الغلمان والنظر إليهم ما كان من ذلك على وجه التلذذ .

وقوله : "فقام في ساجة" بسين مهملة وجيم ، وهي ثوب كالطيلسان ونحوه ، وهكذا هو في رواية الجمهور ، وفي رواية نساجة بالنون المكسورة والسين المهملة المفتوحة وبعد الألف جيم بعدها هاء ، وكذا وقع في رواية أبي داود ، وهي ضرب من الملاحف المنسوجة لأنها سميت بالمصدر ، يقال : نسجت نسجا ونساجة .

[ ص: 164 ] قوله : "على المشجب" بكسر الميم وسكون الشين المعجمة والجيم ، وهي أعواد توضع عليها الثياب .

قوله : "مكث رسول الله - عليه السلام - تسع سنين لم يحج" يعني في المدينة ، وقد روي أنه - عليه السلام - حج بمكة حجتين .

قوله : "استثفري" أي اجعلي لنفسك كثفر الدابة ليمتنع ذلك الموضع من سيلان شيء من الدم ، تنزيها للعبادة عن إظهار هذه النجاسة على صاحبها إذا لم تقدر على أكثر من ذلك .

قوله : "ثم ركب القصواء" بفتح القاف ممدود ، ووقع عند العذري بضم القاف والقصر ، وهو خطأ في هذا الموضع ، والصواب الفتح ها هنا والمد ، قال ابن قتيبة : كانت للنبي - عليه السلام - نوق أصابها منها : القصواء والجدعاء والعضباء . قال أبو عبيد : العضباء اسم ناقة للنبي - عليه السلام - ولم تسم لشيء .

قال القاضي : جاء ها هنا أنه ركب القصواء وفي آخر الحديث أنه خطب على القصواء ، وفي غير " مسلم " أنه خطب على ناقته الجدعاء وفي حديث آخر على ناقة خرماء وفي آخر مخضرمة وفي حديث : "أنه كانت له ناقة لا تسبق تسمى القصواء" وفي حديث آخر تسمى العضباء ، فدليل هذا كله أنها ناقة واحدة خلاف ما قال ابن قتيبة ، وأن ذلك كان اسمها ووصفها لهذا الذي بها ، خلاف ما قال أبو عبيد ، ولكن يأتي في كتاب النذور ما يدل على أن العضباء غير القصواء .

وقال الحربي : العضب والجدع والخرم والقصو والخضرمة مثله في الأذن .

قال ابن الأعرابي : القصواء التي قطع طرف أذنها ، والجدع أكثر منه ، وقال الأصمعي : في القصواء مثله ، قال : وكل قطع في الأذن جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء والمخضرم المقطوع الأذنين ، فإذا اصطلمتا فهي صلماء ، وقال أبو عبيدة : القصواء المقطوعة الأذنين عرضا ، والمخضرمة المستأصلة ، والعضباء النصف فما فوقه ، قال الحربي : فالحديث يدل على أنه اسمها ، وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها .

[ ص: 165 ] وقال الخليل : الخضرمة قطع الواحدة ، والعضباء المشقوقة الأذن .

قوله : "فأهل بالتوحيد" إشارة إلى قوله : "لا شريك لك" ومخالفة لقول المشركين في تلبيتهم .

وقوله : "فرقي عليه" بكسر القاف وهي اللغة الغالبة .

قوله : "محرشا" من التحريش ، وهو الإغراء بين القوم والبهائم وتهييج بعضهم على بعض ، وهو ها هنا ذكر لما يوجب عتابه لها .

قوله : "فضربت بنمرة" بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء المهملة وتاء التأنيث موضع بعرفة ، وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم يمينك إذا خرجت من عرفة تريد الموقف .

قوله : "فأجاز رسول الله - عليه السلام - " أجاز لغة في جاز فجاز وأجاز بمعنى ، وقيل : جاز الموضع سلكه وسار فيه ، وأجازه خلفه وقطعه . قال الأصمعي : جاز : مشى فيه ، وأجازه : قطعه .

قوله : "وينكتها" بالتاء المثناة من فوق هكذا الرواية وفيه بعد ، ويروى "ينكبها" بالباء الموحدة وهو الصواب . أي يميلها .

قوله : "وجعل حبل المشاة" بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها لام ، معناه : صفهم ومجتمعهم في مشيهم ، وقيل : طريقهم الذي يسلكونه في الرمل .

قوله : "مورك رحله" المورك والموركة بكسر الراء هي المرفقة التي تكون عند قادمة الرحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب وهي شبه الحلقة الصغيرة .

قوله : "كلما أتى جبلا من الجبال" الجبل المستطيل من الرمال وقيل : الضخم منه .

قوله : "وسيما" أي حسن الوجه ، من الوسامة وهي الحسن .

قوله : "مرت ظعن" بضم الظاء ، والمعنى جمع ظعينة ، وهي المرأة في الهودج .

قوله : "فنحر ما غبر" أي ما بقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية