صفحة جزء
3667 ص: فإن قال قائل : فقد رويتم عن عائشة - رضي الله عنها - في أول هذا الباب خلاف هذا ، فرويتم عن القاسم ، عن عائشة : أن رسول الله - عليه السلام - أفرد الحج ، . ورويتم عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، ، عن عروة ، عن عائشة قالت : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ، ومنا من أهل بالحج ، وأهل رسول الله - عليه السلام - بالحج" ورويتم عن أم علقمة ، عن عائشة : " أن [ ص: 180 ] رسول الله - عليه السلام - عام حجة الوداع أفرد بالحج ولم يعتمر" قيل له : يجوز أن يكون هذا على معنى لا يخالف معنى ما روى الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وذلك أنه قد يجوز أن يكون الإفراد الذي ذكره القاسم عن عائشة ، إنما أرادت به إفراد الحج في وقت ما أحرم به ، وإن كان قد أحرم بعد خروجه منه بعمرة ، فأرادت أنه لم يخلطه في وقت إحرامه به بإحرام بعمرة كما فعل غيره ممن كان معه ، وأما حديث محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة فإنها أخبرت أن منهم من أهل بعمرة لا حجة معها ، ومنهم من أهل بحجة وعمرة تعني مقرونين ، ومنهم من أهل بالحج ولم تذكر في ذلك التمتع ، فقد يجوز أن يكون الذين قد كانوا أحرموا بالعمرة أحرموا بعدها بحجة ، ليس حديثها هذا ينفي من ذلك شيئا ، وأنها قالت : وأهل رسول الله - عليه السلام - بالحج مفردا فقد يجوز أن يكون ذلك الحج المفرد بعد عمرة قد كانت تقدمت منه مفردة ، فيكون أحرم بعمرة مفردة على ما في حديث القاسم ، ومحمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، ثم أحرم بعد ذلك بحجة على ما في حديث الزهري ، عن عروة ، حتى تتفق هذه الآثار ولا تتضاد ، فأما معنى ما روت أم علقمة عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - عليه السلام - أفرد الحج ولم يعتمر ، فقد يجوز أن تكون تريد بذلك أنه لم يعتمر في وقت إحرامه بالحج كما فعل من كان معه ، ولكنه اعتمر بعد ذلك .


ش: لما كانت أحاديث عائشة - رضى الله عنها - في هذا الباب متعارضة ظاهرا ، وجه ذلك ظاهر فيما ذكره يتأتى فيها سؤال من كل واحد من أهل المقالتين على الآخر ، فلذلك ذكره بصورة السؤال والجواب وهما ظاهران ، وقال أبو عمر : الاضطراب عن عائشة في حديثها هذا في الحج عظيم ، وقد أكثر العلماء في توجيه الروايات فيه ، ودفع بعضهم بعضها ببعض ولم يستطيعوا الجمع بينها ، ورام قوم الجمع في بعض معانيها ، روى محمد بن عبيد ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة قال : ألا تعجب من اختلاف عروة والقاسم ؟ قال القاسم : أهلت عائشة بالحج وقال عروة : أهلت بالعمرة . وذكر الحارث بن مسلمة ، عن يوسف بن عمرو ، عن ابن وهب ، عن مالك أنه قال في حديث عروة عن عائشة في الحج : ليس عليه العمل [ ص: 181 ] قديما ولا حديثا ، قال أبو عمرو : يريد مالك أنه ليس عليه العمل في رفض العمرة لأن العمل عليه عنده في أسباب كثيرة منها : أنه جائز للإنسان أن يهل بعمرة ، ومنها أن القارن يطوف طوافا واحدا ، وغير ذلك .

وقال ابن حزم في "المحلى" : حديث عروة عن عائشة منكر وخطأ عند أهل العلم بالحديث .

حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، نا عبد الله بن ، نا عبيد الله بن محمد السقطي ، نا أحمد بن جعفر بن مسلم الختلي ، نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السداني ، نا أحمد بن محمد الأثرم ، نا أحمد بن حنبل . . . فذكر حديث مالك ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - عام حجة الوداع . . " الحديث ، فقال أحمد : أيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، قال الأثرم : فقلت له : الزهري ، عن عروة ، عن عائشة بخلافه . قال أحمد : نعم ، وهشام بن عروة . انتهى .

وفي "التمهيد" : دفع الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن علية حديث عروة هذا ، وقالوا : هو غلط لم يتابع عروة على ذلك أحد من أصحاب عائشة ، وقال إسماعيل بن إسحاق : قد أجمع هؤلاء يعني القاسم والأسود وعروة على أن أم المؤمنين كانت محرمة بحجة لا بعمرة ، فعلمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط ، وقال عياض اختلفت الروايات عن عائشة فيما أحرمت به اختلافا كثيرا ، ففي رواية : أحللنا بعمرة ، وفي أخرى : فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج ولم أهل إلا بعمرة ، وفي أخرى : خرجنا لا نريد إلا الحج ، وفي أخرى : لبينا بالحج ، وفي أخرى : مهلين بالحج ، والكل صحيح ، وفي رواية : وكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي وقال بعضهم : نرجح أنها كانت محرمة بحج ، لأنها رواية عمرة والأسود والقاسم ، وعللوا رواية عروة في العمرة ، ورجحوا رواية غيره على روايته ، لأن عروة قال في [ ص: 182 ] رواية حماد بن سلمة ، عن هشام عنه : حدثني غير واحد : "أن النبي - عليه السلام - قال لها : دعي عمرتك" فدل أنه لم يسمع الحديث منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية