صفحة جزء
3766 ص: فإن قال قائل : فلم تبيحون قتل الذئب ؟ قيل له : لأن النبي - عليه السلام - قال : "خمس من الدواب يقتلن في الحرم والإحرام فذكر الخمس ما هن ، فذكر الخمس [ ص: 287 ] يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمهن وإلا لم يكن لذكر الخمس معنى ، فالذين أباحوا قتل الذئب أباحوا قتل جميع السباع ، ، والذين منعوا قتل الذئب حظروا قتل سائر السباع ، غير الكلب العقور خاصة ، وثبت خروج الضبع من القتل ، ولم يكن كلبا عقورا ، وثبت أن الكلب العقور هو الكلب الذي تعرفه العامة .


ش: تقرير السؤال أن يقال : إن العلة في قتل الكلب العقور هو عدوه على بني آدم وابتداؤه بالأذى ، فهذا المعنى موجود في الذئب بل الذئب أحرى من الكلب في ذلك ، فكان ينبغي أن يباح قتل الذئب للمحرم كالكلب العقور ، حتى أن زفر حمل الكلب العقور على الذئب .

وتقدير الجواب أن النبي - عليه السلام - نص على قتل خمس من الدواب في الحرم والإحرام ، وبين الخمس ما هن ، فدل هذا أن حكم غير هذه الخمس غير حكم الخمس ، وإلا لم يكن لتنصيصه على الخمس فائدة ، فالذئب خارج من الخمس ، فلا يباح قتله إلا إذا بدأنا بالأذى ، وقال عياض : ظاهر قول الجمهور أن المراد أعيان ما سمي في هذا الحديث ، وهو ظاهر قول مالك وأبي حنيفة ، ولهذا قال مالك : لا يقتل المحرم الوزغ ، وإن قتله فداه ، ولا يقتل خنزيرا ولا قردا مما لا يطلق عليه اسم كلب في اللغة ، إذ جعل الكلب صفة فيه لا اسما ، وهو قول كافة العلماء ، وإنما قال رسول الله - عليه السلام - خمس ، فليس لأحد أن يجعلهن ستا ولا سبعا ، وقال أيضا : مالك والشافعي يريان أن التحريم متعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها ، وأنها إنما ذكرت لينبه بها على ما يشاركها في العلة ولكنهما اختلفا في العلة ما هي ؟ فقال الشافعي : العلة أن لحومها لا تؤكل ، وكذلك كل ما لا يؤكل لحمه في الصيد مثلها ، ورأى مالك أن العلة كونها مضرة لينبه به على ما يضر الأبدان ، على جهة المواجهة والمغالبة ، وذكر العقرب لينبه به على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس ، وكذلك ذكر الحدأة والغراب ، للتنبيه على ما يضر بالأموال مجاهرة ، وذكر الفأرة للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاء .

[ ص: 288 ] قوله : "فالذين أباحوا" أي القوم الذين أباحوا قتل الذئب للمحرم وأراد بهم : الثوري والشافعي وأحمد وابن عيينة وزيد بن أسلم ، فإنهم قالوا : لفظة الكلب لم تختص بالاسم ، وإنما ينطلق على كل عاد مفترس غالبا كالسباع والفهد والذئب .

قوله : "والذين منعوا" أي القوم الذين منعوا ، وأراد بهم : الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي .

قوله : "حظروا" أي منعوا ، من قولهم : حظرت الشيء إذا منعته ، وهو في الأصل راجع إلى المنع ، لأن الحظر هو المنع ، قال تعالى : وما كان عطاء ربك محظورا أي ممنوعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية