صفحة جزء
3794 3795 3796 3797 3798 3799 3800 3801 3802 ص: فقيل لهم : هذا حديث مضطرب قد رواه قوم على ما ذكرنا ، ورواه آخرون فقالوا : إنما أهدى إليه حمارا وحشيا .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : " أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله - عليه السلام - حمارا وحشيا . . . " ، ثم ذكر مثل حديثه عن سفيان .

حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب . . . ، فذكر بإسناده مثله .

حدثنا يونس ، قال : ثنا شعيب بن الليث ، عن أبيه ، عن الزهري . . . ، فذكر بإسناده مثله .

ففي هذه الأحاديث أن الهدية التي ردها رسول الله - عليه السلام - على الصعب من أجل أنه حرام كانت حمارا وحشيا فإن كان ذلك كذلك فإن هذا لا يختلف أحد في حرمته على المحرم ، غير أن سعيد بن جبير قد روى هذا الحديث عن ابن عباس فزاد فيه حرفا على ما رواه عبيد الله ، بين بذلك الحرف أن الحمار كان مذبوحا .

حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا الفريابي ، قال : ثنا سفيان . عن أبي الهذيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله - عليه السلام - حمارا وحشيا ، فرده ، وكان مذبوحا" .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله - عليه السلام - حمارا وحشيا يقطر دما ، فرده عليه ، وقال : إني حرام" .

[ ص: 315 ] ففي هذا الحديث أن ذلك كان مذبوحا ، وقد رده رسول الله - عليه السلام - لأنه حرام ، وقد روي أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان عجز حمار وحشي أو فخذ حمار .

حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عامر وهب عن شعبة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله - عليه السلام - عجز حمار وحشي وهو بقديد ، يقطر دما ، فرده" .

حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج بن المنهال ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت منصورا ، عن الحكم بن عتيبة . . . ، فذكر بإسناده مثله غير أنه قال : "رجل حمار" .

حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، وحبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله - عليه السلام - قال أحدهما: عجز حمار وقال الآخر فخذ حمار - وحشي يقطر دما ، فرده" .

فقد اتفقت هذه الآثار المروية عن ابن عباس في حديث الصعب عن رسول الله - عليه السلام - في رده الهدية عليه أنها كانت في لحم صيد غير حي ، فذلك حجة لمن كره للمحرم كل لحم الصيد وإن كان الذي تولى صيده وذبحه حلال .


ش: أي قيل لأولئك القوم الذين احتجوا في جملة ما احتجوا به من حديث الصعب بن جثامة : هذا حديث مضطرب لا يتم به الاستدلال ، وقد بين اضطرابه من ثمانية طرق صحاح :

الأول : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . إلى آخره . والكل رجال الصحيح .

[ ص: 316 ] وأخرجه البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، عن الصعب بن جثامة الليثي : "أنه أهدى لرسول الله - عليه السلام - حمارا وحشيا وهو بالأبواء - أو بودان - فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" .

وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

والنسائي : عن قتيبة بن سعيد ] ، عن مالك .

قوله : "أهدى لرسول الله - عليه السلام - " الأصل في أهدى التعدي بإلى ، وقد يتعدى باللام ويكون بمعناه ، قيل : ويحتمل أن تكون اللام بمعنى أجل ، وهو ضعيف .

قوله : "لم نرده عليك" قال القاضي : كذا رواية المحدثين في هذا الحرف بفتح الدال ، ورده محققوا شيوخنا من أهل العربية ، وقالوا : "لم نرده" بضم الدال ، وكذا وجدته بخط بعض الأشياخ أيضا وهو الصواب عندهم ، على مذهب سيبويه في مثل هذا من المضاعف إذا دخله الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ، ونحوه من المجزوم ؛ مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء مكان ما قبلها ولي الواو ، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما ، هذا في المذكر ، وأما المؤنث مثل لم نردها وأختها مفتوح الواو إلا مضموما، هذا في المذكر وأما المؤنث مثل لم نردها وأختها فمفتوح الدال مراعاة للألف ، قلت : في مثل هذا الصيغة قيل : دخول الهاء عليها يجوز أربعة أوجه : الفتح لأنه أخف الحركات ، والضم اتباعا لضمة عين الفعل ، والكسر لأنه الأصل في تحريك الساكن ، والعكس ، وأما بعد دخول الهاء فلا فيجوز فيه غير الكسر فافهم .

[ ص: 317 ] قوله : "إلا أنا حرم" بفتح "أنا" على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل ، فكأنه قال : لأنا ، وقال أبو الفتح القشيري : "إنا" مكسورة الهمزة لأنها ابتدائية و "أنا" حرم مفتوحة لأنه حذف منها لام التعليل .

الثاني : عن يونس أيضا ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن محمد بن مسلم الزهري . . . إلى آخره ، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" : ثنا عمر بن حفص السدوسي ، ثنا عاصم بن علي ، نا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة : "أنه أهدى إلى رسول الله - عليه السلام - حمارا وحشيا فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهي من رد هديته قال : أما إنه ليس بنا رد عليك ولكنا حرم" .

الثالث : عن يونس أيضا ، عن شعيب بن الليث ، عن أبيه الليث بن سعد ، عن الزهري . . . إلى آخره ، وهؤلاء أيضا كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه الترمذي : ثنا قتيبة ، قال : ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، أن ابن عباس أخبره ، أن الصعب بن جثامة أخبره : "أن رسول الله - عليه السلام - مر به بالأبواء - أو بودان - فأهدى له حمارا وحشيا فرده عليه ، فلما رأى رسول الله - عليه السلام - في وجهه الكراهية ؛ فقال : إنه ليس بنا رد عليك ، ولكنا حرم" .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

الرابع : عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن أبي الهذيل غالب بن الهذيل الأودي الكوفي ، وثقه ابن حبان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . . . إلى آخره .

[ ص: 318 ] وأخرجه البزار في "مسنده" : ثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، ثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن غالب أبي الهذيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . . . إلى آخره نحوه .

الخامس : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي ، عن سعيد بن جبير .

وأخرجه " مسلم " : نا يحيى بن يحيى ، قال : أنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت منصورا يحدث ، عن الحكم (ح) .

ونا ابن المثنى وابن بشار ، قالا : ثنا محمد بن جعفر ، قال : نا شعبة ، عن الحكم (ح) .

ونا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثنا أبي ، قال : نا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت جميعا عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - في رواية منصور : عن الحكم - : "أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي - عليه السلام - رجل حمار وحشي" . وفي رواية شعبة عن الحكم : "عجز حمار وحشي يقطر دما" ، وفي رواية شعيب عن حبيب : "أهدي للنبي - عليه السلام - شق حمار وحشي فرده" .

السادس : عن إبراهيم بن مرزوق أيضا ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، ووهب بن جرير ، كلاهما عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . . . إلى آخره .

وأخرجه البزار في "مسنده" : نا محمد بن المثنى ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله - عليه السلام - وهو بقديد وهو محرم لحم حمار وحشي ، فرده رسول الله - عليه السلام - وهو يقطر دما" .

[ ص: 319 ] السابع : عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن معتمر بن سليمان ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

وأخرجه الطبراني : نا معاذ بن المثنى ، نا مسدد ، نا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت منصورا يحدث عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : "أهدى الصعب بن جثامة رجل حمار وحشي يقطر دما إلى رسول الله - عليه السلام - وهو محرم بقديد ، فردها" .

الثامن : عن أحمد بن داود المكي ، عن سليمان بن حرب شيخ البخاري وأبي داود ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة وحبيب بن أبي ثابت ، كلاهما عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث العباس الأسفاطي ، عن سليمان وأبي الوليد ، قالا : نا شعبة ، عن الحكم وحبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي - عليه السلام - قال أحدهما : بقديد عجز حمار - وقال الآخر : حمار وحشي ، فرده" .

وقال أبو جعفر الطبري : الأخبار عن الصعب مضطربة ، والصحيح أنه حمار حي ؛ للإجماع على منع قبول المحرم هبة الصيد ، وكيف تكون رجله وهو يقول لم نرده عليك إلا أنا حرم ؟ ! .

وقال القاضي : قال الإمام : بوب البخاري على حديث الصعب ما دل على أنه تأول أن الحمار كان حيا ، فعلى هذا يكون فيه حجة على أن المحرم يرسل ما كان بيده من صيد ، وفيه أيضا أن الهبة لا تدخل في ملك الموهوب إلا بالقبول ، وأن قدرته على ملكها لا تصيره مالكها ، ثم قال : وفي بعض طرق حديث الصعب ما يقدح في [ ص: 320 ] تأويل من تأول الحديث على أن الحمار حي ، وهو قوله : "رجل حمار" وفي طريق آخر "عجز حمار وحشي يقطر دما" ، وفي طريق آخر "شق حمار" ، وفي رواية زيد بن أرقم : "أهدي للنبي - عليه السلام - عضو من لحم صيد فرده وقال : إنا لا نأكله إنا حرم" فبهذه الروايات يحتج من يقول من الناس : إن المحرم لا يأكل لحم صيد وإن لم يصد من أجله .

وقال إسماعيل : سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجله ، ولولا ذلك لكان أكله جائزا ، وقال سليمان : ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث : "فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت" .

وقال ابن بطال : اختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة ، وإنما كانت قضايا ، فمرة أهدي إليه الحمار كله ، ومرة عجزه ، ومرة رجله ، لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حتى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة .

وقال القرطبي : بوب البخاري على هذا الحديث وفهم منه الحياة ، والروايات الأخر تدل على أنه كان ميتا ، وأنه آتاه بعضو منه ، وطريق الجمع : أنه جاء بالحمار ميتا فوضعه بقرب النبي - عليه السلام - ثم قطع منه ذلك العضو فأتاه به ، فصدق اللفظان ، أو يكون أطلق اسم الحمار وهو يريد بعضه وهذا من باب التوسع والتجوز ، أو نقول : إن الحمار كان حيا فيكون قد أتاه به ، فلما رده وأقره بيده ذكاه ، ثم أتاه بالعضو المذكور ، ولعل الصعب ظن أنه إنما رده لمعنى يخص الحمار بجملته ، فلما جاء بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد كحكم الصيد لا يحل للمحرم قبوله ولا تملكه .

وقال البيهقي : قال الربيع : قال الشافعي : فإن كان الصعب أهدى إلى النبي - عليه السلام - الحمار حيا فليس لمحرم ذبح حمار وحش وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده ، وأيضا في حديث جابر وحديث مالك أن الصعب أهدى حمارا ، أثبت من حديث من قال : أهدى له لحم حمار .

[ ص: 321 ] قال البيهقي : وقد روي في حديث الصعب أنه أكل منه ، ثم روى بإسناده : عن يحيى بن سليمان الجعفي ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ] ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه : "أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي - عليه السلام - عجز حمار وحشي وهو بالجحفة فأكل منه ، وأكل منه القوم" . هذا إسناد صحيح ، قال البيهقي : إن كان محفوظا ، فكأنه - عليه السلام - رد الحي وقبل اللحم .

قلت : قال الذهبي : بل هذا خبر منكر شاذ ، ويحيى بن أيوب قد ضعف ، وله أحاديث منكرة ، ولكنه من رجال الصحيحين انتهى ، وفي سنده أيضا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن حبان : ربما أغرب ، وأما يحيى بن أيوب الغافقي المصري فقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال أحمد : كان سيئ الحفظ يخطئ خطأ كثيرا ، وكذبه مالك في حديثين فعلى هذا لا يشتغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده لمخالفته للحديث الصحيح ، وقول البيهقي : "وقبل اللحم" يرده ما في الصحيح أنه - عليه السلام - رده .

التالي السابق


الخدمات العلمية