صفحة جزء
3861 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا حجة لكم في هذه الآثار ؛ لأن ما أباح رسول الله - عليه السلام - فيها ، وأمر بني عبد مناف أن لا يمنعوا أحدا منه من الطواف والصلاة هو الطواف على سبيل ما ينبغي أن يطاف ، والصلاة على سبيل ما ينبغي أن تصلى ، فأما على ما سوى ذلك فلا ، أفلا ترى أن رجلا لو طاف بالبيت عريانا أو على غير وضوء أو جنبا ، أن عليهم أن يمنعون من ذلك ؟ لأنه طاف على غير ما ينبغي الطواف عليه ، وليس ذلك بداخل فيما أمرهم رسول الله - عليه السلام - ألا يمنعوا منه من الطواف ، . فكذلك قوله : "لا تمنعوا أحدا يصلي" هو على ما أمر أن يصلي عليه من الطهارة وستر العورة ، واستقبال القبلة في الأوقات التي أبيحت الصلاة فيها ، فأما ما [ ص: 400 ] سوى ذلك فلا ، وقد نهى رسول الله - عليه السلام - نهيا عاما عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، ونصف النهار ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغيب الشمس ، وتواترت بذلك الآثار عن رسول الله - عليه السلام - وقد ذكرت ذلك بأسانيده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب .


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون ، وأراد بهم : مجاهدا وسعيد بن جبير ، والحسن البصري والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا ؛ فإنهم كرهوا الصلاة للطواف بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس .

قوله : "فقالوا" أي هؤلاء الآخرون ، وأراد به نفي صحة استدلال القوم المذكورين بهذه الآثار المذكورة عن ابن عباس وجبير بن مطعم - رضي الله عنهم - ، بيانه : أن المراد من هذه الآثار هو إباحة رسول الله - عليه السلام - الطواف والصلاة إذا وقعا على سبيل ما ينبغي وقوعهما ، وليس المراد إباحتهما مطلقا ، وكيف يراد الإطلاق وقد نهى رسول الله - عليه السلام - نهيا عاما عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند استوائها ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب ، وقد مضى ذكر هذا عن ابن عباس وغيره في باب : الركعتين بعد العصر .

قوله : "وتواترت بذلك الآثار" أي بالنهي عن الصلاة في هذه الأوقات ، وأراد بالتواتر التكاثر والتظاهر ، ولقد ذكرنا هناك أن تسعة عشر من الصحابة - رضي الله عنهم - قد أخرجوا في كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الصبح ، وقد أجاب بعضهم عن الحديث المذكور بأنه محمول على الدعاء لا الصلاة الحقيقية ، وهو بعيد .

وقال آخرون : هو محمول على غير أوقات النهي ؛ لأن هذا عام في الإباحة وحديث النهي خاص في التحريم ، فيحمل على ما عداه ، ولأن الإباحة والتحريم إذا اجتمعا عمل بالتحريم ؛ لأنه الأحوط في الدين .

[ ص: 401 ] فإن قيل : ما تقول فيما أخرجه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عبد الله بن المؤمل ، عن جعفر مولى عفراء ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، عن أبي ذر ، سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : "لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة يقول ذلك ثلاثا ؟ " .

قلت : قال صاحب "البدائع" : هذا خبر شاذ فلا يعارض الخبر المشهور .

وقلت أنا : ابن المؤمل ضعيف ، وجعفر الأعرج ليس بالقوي ، ومجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية