صفحة جزء
3874 3875 3876 ص: حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا شبابة بن سوار (ح). .

وحدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد (ح).

وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا أبو داود : ، ثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، قال : سمعت طارق بن شهاب يحدث ، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : " قدمت على رسول الله - عليه السلام - وهو منيخ بالبطحاء ، فقال لي : بما أهللت ؟ قال : قلت : إهلال كإهلال النبي - عليه السلام - فقال رسول الله - عليه السلام - : أحسنت ، طف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم أحل ، ففعلت فأتيت امرأة من قيس ، فقلت رأسي ، فكنت أفتي الناس بذلك حتى كان زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال لي رجل : يا عبد الله بن قيس ، رويد بعض فتياك ؛ إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، فقلت : يا أيها الناس ، من كنا أفتيناه فليتئد ، فإن أمير المؤمنين قادم فيه فائتموا ، فلما قدم عمر - رضي الله عنه - أتيته فذكرت له ، فقال لي عمر - رضي الله عنه - : إن تأخذ بكتاب الله فإن [ ص: 416 ] كتاب الله يأمر بالتمام ، وإن تأخذ بسنة رسول الله - عليه السلام - فإن رسول الله - عليه السلام - لم يحل حتى بلغ الهدي محله" .


ش: هذه ثلاث طرق صحاح :

الأول : عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن شبابة بن سوار الفزاري المدائني الثقة الصدوق المرجئ ، عن شعبة بن الحجاج ، عن قيس بن مسلم الجدلي العدواني الكوفي ، عن طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الصحابي ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - .

وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن مثنى وابن بشار ، قال ابن مثنى : نا محمد بن جعفر ، قال : أنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : "قدمت على رسول الله - عليه السلام - وهو منيخ بالبطحاء ، فقال لي : حججت ؟ فقلت : نعم ، فقال : بم أهللت ؟ قال : قلت : لبيت بإهلال كإهلال النبي - عليه السلام - ، قال : فقد أحسنت ، طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل ، قال : فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ، ثم أهللت بالحج ، فكنت أفتي به الناس ، حتى كان في خلافة عمر - رضي الله عنه - فقال له رجل : يا أبا موسى - أو يا عبد الله بن قيس - رويدك بعض فتياك ، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، فقال : يا أيها الناس ، من كنا أفتيناه فتيا فليتئد ؛ فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فيه فائتموا ، قال : فقدم عمر - رضي الله عنه - فذكرت له ذلك ، فقال : إن تأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام ، وإن تأخذ بسنة رسول الله - عليه السلام - فإن رسول الله - عليه السلام - لم يحل حتى بلغ الهدي محله" .

الثاني : عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن عبد الرحمن بن زياد الرصافي الثقفي ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم . . . إلى آخره .

[ ص: 417 ] وأخرجه النسائي : أنا محمد بن المثنى ، عن عبد الرحمن ، قال : نا سفيان ، عن قيس - وهو ابن مسلم - عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : "قدمت على رسول الله - عليه السلام - وهو بالبطحاء فقال : بما أهللت ؟ قلت : بإهلال النبي - عليه السلام - ، قال : هل سقت من هدي ؟ قلت : لا ، قال : فطف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم حل ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي ، فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر - رضي الله عنهما - وإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ، قلت : يا أيها الناس ، من كنا أفتيناه بشيء فليتئد ، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك ؟ ! قال : إن نأخذ بكتاب الله ؛ فإن الله - عز وجل - قال : وأتموا الحج والعمرة لله وإن نأخذ بسنة نبينا - عليه السلام - ، فإن نبينا - عليه السلام - لم يحل حتى نحر الهدي" .

الثالث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق . . . إلى آخره .

وأخرجه البخاري : ثنا محمد بن يوسف ، نا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : "بعثني النبي - عليه السلام - إلى قومي باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء ، فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت كإهلال النبي - عليه السلام - ، قال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أمرني فأهللت ، فأتيت امرأة من قومي ، فمشطتني وغسلت رأسي ، فقدم عمر - رضي الله عنه - فقال : إن نأخذ بكتاب الله ، فإنه يأمر بالتمام ؛ قال الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله وإن نأخذ بسنة رسول الله - عليه السلام - فإنه لم يحل حتى نحر الهدي .

[ ص: 418 ] قوله : "قدمت على رسول الله - عليه السلام - " وكان قدومه من اليمن على ما صرح به في رواية البخاري ، وكان النبي - عليه السلام - بعثه إلى قومه ، فاتفق على قدومه والنبي - عليه السلام - منيخ بالبطحاء وهو المحصب ، قال أبو عبيد : هو في حدود خيف بني كنانة ، وحده من الحجون ذاهبا إلى منى ، وهو بطحاء مكة - شرفها الله تعالى .

قوله : "بما أهللت" قال ابن القياني : كذا وقع في الأمهات بالألف ، وصوابه بغير الألف كأنه استفهام ، قلت : معناه بأي شيء أحرمت .

قوله : "إهلال كإهلال النبي - عليه السلام - " أي إهلالي إهلال كإهلال النبي - عليه السلام - فيكون ارتفاع إهلال على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وفي بعض النسخ : "إهلالا كإهلال النبي - عليه السلام - " بالنصب على تقدير : أهللت إهلالا كإهلال النبي - عليه السلام - ، وبهذا استدل مالك على جواز الإحرام المبهم ، وهو أن يقول : أحرمت كإحرام زيد ، وقال القاضي : أخذ الشافعي بظاهر هذا الحديث وجوز الإهلال بالنية المبهمة ، قال : ثم له بعد أن ينقلها لما شاء من حج أو عمرة ، وله عنده أن ينتقل من نسك إلى غيره ، وخالفه سائر العلماء والأئمة ؛ لقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ولقوله : ولا تبطلوا أعمالكم ؛ ولأن هذا كان لأبي موسى وعلي أيضا خصوصا إذ كان شرع الحج بعد ما فعله النبي - عليه السلام - لم يستقر ولم يكمل بعد ، فلم يمكنهما - أعني أبا موسى وعليا - رضي الله عنهما - الإقدام على أمر بغير تحقيق .

فإن قيل : كيف أمر أبا موسى بالإحلال ولم يأمر عليا - رضي الله عنه - ، والحال أن كلا منهما قال : إهلال كإهلال النبي - عليه السلام - ؟

قلت : لأن أمره لأبي موسى بالإحلال على معنى ما أمر به غيره بالفسخ بالعمرة لمن ليس معه هدي ، وأمره لعلي أن يهدي ويمكث حراما ؛ إما لأنه - والله أعلم - كان معه هدي ، أو يكون قد اعتقد النبي - عليه السلام - أنه يهدي عنه ، أو [ ص: 419 ] يكون قد خصه بذلك ، أو لما كان النبي - عليه السلام - أمره بسوق هذه البدن من اليمن فكان كمن معه هدي ، ولا يظن أن هذه البدن من السعاية والصدقة بوجه إذ لا تحل للنبي - عليه السلام - الصدقة ولا يهدي منها .

والأشبه أن عليا - رضي الله عنه - اشتراها باليمن كما اشترى النبي - عليه السلام - بقيتها ، وجاء بها من المدينة على ما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - وجاء في الحديث أيضا أنه اشترى هديه بقديد ، وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "فساق الهدي معه من ذي الحليفة " وكان النبي - عليه السلام - قد أعلمه أنه سيعطيه هدايا منها ، وفي حديث جابر أنه قدم ببدن النبي - عليه السلام - ، وقد يحتمل أنه كان له فيها هدي لم يحتج إلى ذكره في الحديث ، فلم يمكنه أن يحل ، ويدل على هذا سؤال النبي - عليه السلام - لأبي موسى هل ساق معه هديا ؟ ولم يسأل عليا - رضي الله عنه - ، فدل على علمه بأنه كان ممن أهدى أو ممن حكمه كحكم من أهدى . والله أعلم .

قوله : "ثم أحل" أمر من الإحلال ، وفي بعض الرواية : "حل" بدون الهمزة ، من حل يحل والأولى من أحل يحل ، يقال : حل المحرم يحل حلالا ، وأحل يحل إحلالا ، إذا حل له ما حرم عليه من محظورات الحج ، ورجل حل من الإحرام أي حلال ، والحلال ضد الحرام ، ورجل حلال أي غير محرم ولا متلبس بأسباب الحج .

قوله : "ففلت رأسي" بتخفيف اللام من فلى يفلي ، يقال : فليت رأسه من القمل وتفالى هو ، والفلي أخذ القمل من الشعر ، وذكره في الدستور من باب فعل يفعل بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل كضرب يضرب ، تقول : فلى يفلي فليا ، كرمى يرمي رميا .

قوله : "فكنت أفتي الناس بذلك" أي بفسخ الحج في العمرة .

قوله : "رويد بعض فتياك" وفي بعض الرواية : "رويدك بعض فتياك" وكذا هو في رواية مسلم .

[ ص: 420 ] اعلم أن "رويد" اسم للفعل ، ومعناه : أمهل ، تقول : رويد زيدا أي أمهله ، وتدخل فيه الكاف أيضا فتقول : رويدك زيدا ، ورويدكما زيدا ، ورويدكم زيدا ، وهو مبني إذا كان اسما للفعل ، ومعرب إذا وقع صفة ، نحو : ساروا سيرا رويدا ، أو حالا نحو : ساروا رويدا أي مرودي ، أو مضافا نحو : رويد زيد .

وفي الحديث مبني ؛ لأنه اسم للفعل .

قوله : "فليتئد" أي فليتأن وليصبر ، يقال : اتأد في فعله إذا تأنى وثبت ولم يعجل ، وأصله من تئد يتئد تأدا ، فنقل إلى باب الافتعال فصار : اتأد يتئد ، وأصل الياء فيه واو من الوأد .

قوله : "فبه فائتموا" أي بأمير المؤمنين ائتموا ، أراد : اتبعوه فيما يفعل من النسك .

قوله : "وإن نأخذ بكتاب الله" بنون الجماعة ، ظاهر هذا الكلام من أمير المؤمنين إتمام الحج ، وإنكار فسخ الحج في العمرة ، لاحتجاجه بالآية ، وبفعل النبي - عليه السلام - .

قوله : "فإن رسول الله - عليه السلام - لم يحل حتى بلغ الهدي محله" وهو ذبح الهدي يوم النحر ، وفيه حجة لأبي حنيفة وأحمد من أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ، ومذهب الشافعي ومالك أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته ، وحل له كل شيء في الحال سواء كان ساق هديا أم لا ، والحديث حجة عليهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية