صفحة جزء
3920 3921 [ ص: 470 ] ص: قيل لهم : ليس هكذا لفظ هذا الحديث الذي رويتموه ، إنما لفظه أنه قال : "طوافك لحجك يجزئك لحجك وعمرتك" .

فأخبر أن الطواف المفعول للحج يجزئ عن الحج والعمرة ، وأنتم لا تقولون هذا ، إنما تقولون : إن طواف القارن طواف لقرانه لا لحجته دون عمرته ولا لعمرته دون حجته ، مع أن غير ابن أبي نجيح ، من أصحاب عطاء ، قد روى هذا الحديث بعينه عن عطاء ، على معنى غير هذا المعنى .

حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا حجاج ، وأخبرني عبد الملك ، عن عطاء ، عن عائشة أنها قالت : " قلت : يا رسول الله ، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري ؟ قال : انفري فإنه يكفيك . - قال حجاج في حديثه عن عطاء : قال : لجت على رسول الله - عليه السلام - - فأمرها أن تخرج إلى التنعيم ، فتهل منه بعمرة ، وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر ، - رضي الله عنهم - فأهلت منه بعمرة ، ثم قدمت منه فطافت وسعت وقصرت ، وذبح عنها رسول الله - عليه السلام - ، قال عبد الملك ، عن عطاء : " : ذبح عنها بقرة" .

فأخبر عبد الملك ، عن عطاء ، عن عائشة بقصتها بطولها ، وأنها إنما أحرمت بالعمرة في وقت ما كان لها أن تنفر بعد فراغها من الحجة ، وأن الذي ذكر أنه يكفيها : هو الحج من الحجة والعمرة ، لا الطواف ، فقد بطل أن يكون في حديث عطاء هذا حجة في حكم طواف القارن كيف هو ؟


ش: هذا جواب عن الحديث المذكور ، وتقريره على وجهين :

الأول : أن لفظ الحديث ليس مثل ما رووه ، وإنما هو أنه قال : "طوافك لحجك يجزئك لحجك وعمرتك" ، فأخبر رسول الله - عليه السلام - أن الطواف الذي طافته عائشة - رضي الله عنها - كانت معتمرة لما أقبل رسول الله - عليه السلام - مع أصحابه مهلين بالحج ، فلما كانت بسرف حاضت فمنعت من الطواف ، فأمرها النبي - عليه السلام - أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف ، فلما طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ، فقال لها [ ص: 471 ] رسول الله - عليه السلام - : "طوافك يكفيك لحجك وعمرتك" يعني : طوافك المفعول للحج يجزئ عن الحج والعمرة ، وأهل المقالة الأولى لا يقولون هذا ، بل إنما يقولون : طواف القارن طواف لأجل قرانه ، لا للحج دون العمرة ، ولا للعمرة دون الحج .

الوجه الثاني : أن الحديث المذكور روي على معنى غير المعنى الذي رواه عبد الله بن أبي نجيح ، أشار إليه بقوله : "مع أن غير ابن أبي نجيح من أصحاب عطاء قد روى هذا الحديث . . . " إلى آخره ، فإنه أخبر أن اعتمار عائشة كان في وقت ما كان لها أن تنفر بعد فراغها من الحجة ، وأن الذي ذكر أنه يكفيها : هو الحج من الحجة والعمرة ، وليس المراد الطواف ، فإذا كان كذلك فقد بطل أن يكون في حديث عطاء المذكور حجة في حكم طواف القارن كيف هو .

ثم إنه أخرج الحديث المذكور عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير روى له الجماعة ، عن حجاج بن أرطأة فيه لين ولكن احتج به الأربعة ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة .

وروى حجاج أيضا ، عن عبد الملك بن سليمان العرزمي ، عن عطاء ، وهو معنى قوله : "وأخبرني عبد الملك عن عطاء " ، وعبد الملك روى له الجماعة ، البخاري مستشهدا .

وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا ابن نمير ، ثنا عبد الملك ، عن عطاء ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : "قلت : يا رسول الله ، أترجع نساؤك بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة ليس معها عمرة ؟ فأقام لها رسول الله بالبطحاء وأمرها فخرجت إلى التنعيم ، وخرج معها عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأحرمت بعمرة ، ثم أتت إلى البيت فطافت به وبين الصفا والمروة وقصرت ، فذبح عنها بقرة" .

[ ص: 472 ] قوله : "لجت" بالجيم من لجج - بالكسر - يلج لجاجا ولجاجة ، فهو لجوج ولجوجه ، بالهاء للمبالغة ، ولج بالفتح لغة ، وفي رواية "ألحت" بالحاء المهملة من الإلحاح ، وفي رواية : "ألظت" من ألظ بالشيء يلظ إلظاظا إذا لازمه وثابر عليه .

وجواب آخر : أن معنى قوله - عليه السلام - : "فإن طوافك يكفيك لحجك وعمرتك" أي لعمرتك المرفوضة ؛ لأنها لا طواف لها ، ويحتمل أن يريد : ثواب هذا الطواف كثواب طواف الحج والعمرة ؛ لأنها قصرت النسكين ، وإنما تركت الواحد بغير اختيارها ، على أن المشهور الثابت : أن عائشة - رضي الله عنها - كانت مفردة بالحج ، وأنه - عليه السلام - أمرها برفض العمرة ، وقولها : "وأرجع بحجة واحدة" دليل واضح على ذلك ، وقولها : "ترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج" صريح في رفض العمرة ؛ إذ لو أدخلت الحج على العمرة لكانت هي وغيرها سواء ، ولما احتاجت إلى عمرة أخرى بعد العمرة والحج اللذين فعلتهما .

وقوله - عليه السلام - عن عمرتها الأخيرة : "هذه مكان عمرتك" صريح في أنها خرجت من عمرتها الأولى ورفضتها ، إذ لا تكون الثانية مكان الأولى إلا والأولى مفقودة ، وفي بعض الروايات : "هذه قضاء من عمرتك" .

فإن قيل : قال البيهقي : معنى قوله : "ودعي العمرة" أمسكي عن أفعالها وأدخلي عليها الحج .

قلت : هذا خلاف حقيقة قوله : "دعي العمرة" ، بل حقيقته أنه أمرها برفض العمرة بالحج ، وقوله : "انقضي رأسك وامتشطي" يدل على ذلك ويدفع تأويل البيهقي بالإمساك عن أفعال العمرة ؛ إذ المحرم ليس له أن يفعل ذلك .

فإن قيل : قال الشافعي : لا نعرف في الشرع رفض العمرة بالحيض .

قلت : قال القدوري في "التجريد" : ما رفضتها بالحيض لكن تعذرت أفعالها ، وكانت ترفضها بالوقوف ، فأمرها بتعجيل الرفض .

التالي السابق


الخدمات العلمية