صفحة جزء
4069 ص: حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو أحمد ، قال: ثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أتى رسول الله -عليه السلام- رجل فقال: يا رسول الله، إني أفضت قبل أن أحلق، فقال: احلق ولا حرج، قال: وجاءه آخر وقال: يا رسول الله، إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج".


ش: إسناده صحيح، وأبو بكرة بكار القاضي ، وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الأسدي الكوفي روى له الجماعة، وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة -واسمه عمرو- بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو الحارث المدني، وثقه ابن حبان، وعن يحيى: صالح. وروى له الأربعة، وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وثقه ابن حبان وقال: رأى جماعة من الصحابة، وروى له الأربعة النسائي في "مسند علي" -رضي الله عنه-.

وأبوه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب روى له الجماعة، وعبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي -عليه السلام- روى له الجماعة، واسم أبي رافع إبراهيم أو أسلم أو هرمز أو ثابت .

وأخرجه عبد الله بن أحمد في "مسنده" مطولا: حدثني أحمد بن عبدة البصري، نا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، حدثني أبي: عبد الرحمن بن [ ص: 136 ] الحارث ، عن زيد بن علي بن حسين بن علي ، عن أبيه علي بن حسين بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله -عليه السلام-، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أن النبي -عليه السلام- وقف بعرفة وهو مردف أسامة بن زيد فقال: هذا الموقف، وكل عرفة موقف، ثم دفع يسير العنق، وجعل الناس يضربون يمينا وشمالا وهو يلتفت ويقول: أيها الناس، السكينة السكينة، أيها الناس، حتى جاز المزدلفة، وجمع بين الصلاتين، ثم وقف بالمزدلفة، ثم وقف على قزح وأردف الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- وقال: هذا الموقف وكل مزدلفة موقف، ودفع وجعل يسير العنق، والناس يضربون يمينا وشمالا وهو يلتفت ويقول: السكينة السكينة أيها الناس، حتى جاء محسر يقرع راحلته فخبب حتى خرج، ثم عاد لسيره الأول حتى رمى الجمرة، ثم جاء المنحر، فقال: هذا المنحر وكل منى منحر، ثم جاءته امرأة شابة من خثعم، فقالت: إن أبي كبير قد أفند، وقد أدركته فريضة الله تعالى في الحج ولا يستطيع أداءها (فيجزئها) عنه أن أؤديها عنه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، وجعل يصرف وجه الفضل بن عباس عنها، ثم أتاه رجل فقال: إني رميت الجمرة وأفضت ولبست ولم أحلق، قال: فلا حرج فاحلق، ثم أتاه رجل آخر فقال: إني رميت وحلقت ونسيت ولم أنحر، فقال: لا حرج فانحر، ثم أفاض رسول الله -عليه السلام- فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ، ثم قال: يا بني عبد المطلب، انزعوا فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت، قال العباس: يا رسول الله إني رأيتك تصرف وجه ابن عمك! فقال: إني رأيت غلاما شابا وجارية شابة؛ فخشيت عليهما الشيطان".

قوله: "إني أفضت قبل أن أحلق" أي إني ذهبت إلى مكة لطواف الإفاضة قبل أن أحلق رأسي، فقال -عليه السلام-: احلق ولا حرج -أو ولا إثم وخطيئة- عليك في تقديمك الإفاضة على الحلق، واستدل أبو يوسف ومحمد به أن الحلق لا يختص بزمان، حتى لو أخر الحلق عن طواف الزيارة لا يجب عليه شيء، ولا يختص بالمكان

[ ص: 137 ] أيضا عند أبي يوسف، حتى لو حلق خارج الحرم لا شيء عليه، وقال زفر: يختص بالزمان لا بالمكان، وقال أبو حنيفة: يختص بهما جميعا.

واستدل زفر بما روي أنه -عليه السلام- حلق عام الحديبية وأمر أصحابه بالحلق، وحديبية من الحل فلو اختص الحلق بالمكان وهو الحرم لما جاز في غيره.

والجواب أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، فيحتمل أنهم حلقوا بالحرم فلا يكون حجة مع الاحتمال، مع أنه روي أنه -عليه السلام- كان نزل بالحديبية بالحل وكان يصلي في الحرم، فالظاهر أنه لم يحلق في الحل وله سبل الحلق في الحرم.

وأما الجواب عما احتج به أبو يوسف ومحمد فنقول بموجبه: إنه لا حرج عليه بظاهر الحديث وهو الإثم، ولكن انتفاء الإثم لا يوجب انتفاء الكفارة، كما في كفارة الحلق عند الأذى، وكفارة قتل الخطأ.

وقال أبو عمر: اختلف في من قدم نسكا على نسك أو أخره مما يصنعه الحاج يوم النحر خاصة، فأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يرمي، فإن مالكا وأصحابه اختلفوا في إيجاب الفدية، وروي عن ابن عباس "أنه من قدم شيئا أو أخر فعليه دم" ولا يصح ذلك عنه.

وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي، وهو قول الكوفيين.

وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق والطبري وداود: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، ولا على من قدم شيئا أو أخره ساهيا مما يفعل يوم النحر.

وعن الحسن وطاوس: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، مثل قول الشافعي ومن تابعه.

وعن عطاء بن أبي رباح: من قدم نسكا قبل نسك فلا حرج، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة .

[ ص: 138 ] وذكر ابن المنذر عن الشافعي: من حلق قبل أن يرمي أن عليه دما، وزعم أن ذلك حفظه عن الشافعي، وهو خطأ عن الشافعي، والمشهور من مذهبه: أنه لا شيء على من قدم أو أخر شيئا من أعمال الحج كلها إذا كان ساهيا.

وأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يذبح، فجمهور العلماء على أنه لا شيء عليه كذلك، قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة، وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير، وقال إبراهيم: من حلق قبل أن يذبح اهراق دما. وقال أبو الشعثاء: عليه الفداء. وقال أبو حنيفة عليه دم، وإن كان قارنا فدمان، وقال زفر: على القارن إذا حلق قبل أن ينحر ثلاثة دماء: دم للقران، ودمان للحلق قبل النحر، وقال أبو عمر: لا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه، قال: واختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض، وقال عطاء ومالك والشافعي وسائر الفقهاء: تجزئه الإفاضة، ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه، وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي: وقال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن طاف للإفاضة قبل أن يرمي يوم النحر: إنه يرمي ثم يحلق ثم يعيد الطواف، قال: ومن رمى ثم طاف قبل الحلاق حلق وأعاد الطواف، وقال الشافعي: وإن طاف الإفاضة قبل الرمي أجزأه، وقال الأوزاعي: إن أصاب أهله أهراق دما.

التالي السابق


الخدمات العلمية