صفحة جزء
9 [ ص: 79 ] ص: حدثنا بذلك أبو بكرة بكار بن قتيبة البكراوي ، قال: حدثنا أبو داود ، قال: ثنا أبو عقيل الدورقي ، قال: حدثنا الحسن: " أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهم قبة في المسجد، فقالوا: يا رسول الله، قوم أنجاس. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء، إنما أنجاس الناس على أنفسهم". .


ش: أشار بذلك إلى ما ذكره من قوله - عليه السلام -: "إن الأرض لا تنجس" .

وبكار بن قتيبة هو القاضي الزاهد المشهور، روى عنه أيضا أبو عوانة وأبو بكر بن خزيمة في صحيحيهما، والبكراوي نسبة إلى أبي بكرة نفيع بن الحارث الصحابي; لأنه من نسله ونسب هكذا ليكون فرقا بينه وبين النسبة إلى أبي بكر ، فإن فيه يقال: بكري. والمراد بأبي داود هو الطيالسي صاحب المسند واسمه سليمان بن داود بن الجارود البصري الحافظ ، روى له الجماعة، البخاري مستشهدا.

وأبو عقيل -بفتح العين- اسمه بشير بن عقبة الناجي -بالنون والجيم- السامي البصري من رجال الصحيحين، والدورقي -بفتح الدال وسكون الواو وفتح الراء وفي آخره قاف- نسبة إلى دورق من بلاد خوزستان .

والحسن هو البصري الإمام المشهور.

وهذا من مراسيل الحسن ، وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن الثوري ، عن يونس، عن الحسن قال: جاء النبي - عليه السلام - رهط من ثقيف ، فأقيمت الصلاة، فقيل: يا نبي الله، إن هؤلاء مشركون! قال: إن الأرض لا ينجسها شيء" .

وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في "مصنفه" نحوه.

[ ص: 80 ] والحديث المسند فيه ما أخرجه البيهقي في "سننه": من حديث حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن عثمان بن أبي العاص : "أن وفد ثقيف قدموا على النبي - عليه السلام - فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على النبي - عليه السلام - ألا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا يستعمل عليهم من غيرهم. فقال: لا تحشروا ولا تعشروا ولا تجبوا ولا يستعمل عليكم من غيركم، ولا خير في دين ليس فيه ركوع" .

وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده".

قوله: "إن وفد ثقيف " الوفد جمع وافد كركب جمع راكب وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد، وكذلك يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد وانتجاع وغير ذلك، تقول: وفد يفد فهو وافد، وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو موفد إذا أشرف، وثقيف أبو قبيلة من هوازن واسمه فسي ، والنسبة إليه ثقفي، وأصله من ثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقا خفيفا فهو ثقف مثل ضخم ومنه المثاقفة، والثقاف ما تسوى به الرماح.

قوله: "ضرب لهم قبة" أي نصبها وأقامها على أوتاد، وهذه المادة تستعمل لمعان كثيرة، والقبة -بضم القاف- بيت صغير مستدير من بيوت العرب قاله ابن الأثير ، وقال الجوهري : هي من البناء والجمع قبب وقباب.

قوله: "قوم أنجاس" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هم قوم أنجاس، جمع نجس بفتحتين.

قوله: "إنه" أي إن الشأن.

ومعنى قوله: "إنه ليس من أنجاس الناس على الأرض شيء" أي الأرض لا تنجس بنزول المشركين عليها، وليس المعنى أنها لا تنجس إذا أصابتها النجاسة.

[ ص: 81 ] ومعنى قوله: "إنما أنجاس الناس على أنفسهم" أي أنجاسهم منحصرة عليهم لا تعدو إلى غيرهم، وكان قدوم وفد ثقيف على رسول الله - عليه السلام - في رمضان سنة تسع من الهجرة وكانوا بضعة عشر رجلا منهم كنانة بن عبد ياليل وهو رئيسهم، وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد.

قوله: "ألا يحشروا ولا يعشروا" أي لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم بل يأخذها في أماكنهم.

قوله: "ولا يجبوا" من التجبية -بالجيم- وهو أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو السجود، والمراد من قولهم: "لا يجبوا" أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع لقوله: في جوابهم "لا خير في دين ليس فيه ركوع" فسمى الصلاة ركوعا؛ لأنه بعضها.

ومن فوائده: جواز دخول الكافر المسجد ، وهو حجة على مالك في منعه عن ذلك، واستحباب إكرام الوفد والرسل القادمين، وتهيئة نزلهم ، والنظر في أمرهم، وعدم نجاسة الأرض بدون إصابة النجاسة الحقيقية.

التالي السابق


الخدمات العلمية