صفحة جزء
227 228 [ ص: 382 ] ص: فإن قال قائل: معنى هذا الحديث إيجاب السواك لكل صلاة، فكيف لا توجبون ذلك وتعملون بكل الحديث إذ كنتم قد عملتم ببعضه؟ قيل له: قد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - خص بالسواك لكل صلاة دون أمته، ويجوز أن يكون هو وجميع أمته في ذلك سواء، وليس يوصل إلى حقيقة ذلك إلا بالتوقيف، فاعتبرنا ذلك، هل نجد شيئا يدلنا على شيء من ذلك؟ فإذا علي بن معبد قد حدثنا، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: نا أبي ، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عمي عبد الرحمن بن يسار ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". .


ش: تحرير السؤال: أن حديث عبد الله بن حنظلة دل على إيجاب السواك لكل صلاة ، لقوله: "أمر بالسواك" ومقتضى الأمر الوجوب، فإذا كان كذلك فلم لا توجبون السواك؟ ولم لا تعملون بكل الحديث؟ تعملون بعضه وتتركون بعضه؟!

قوله: "إذ كنتم" أي "حين كنتم" ويصح أن تكون "إذ" للتعليل، كما في قوله تعالى: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم

وتحرير الجواب من وجهين:

أحدهما: أنه قد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - مخصوصا بالسواك لكل صلاة، ولا يكون ذلك لأمته، فلا يجب على غيره، فلا يمكن العمل بكل الحديث، والأصل فيه أن فعل النبي - عليه السلام - إذا علمت صفته أنه فعله واجبا أو ندبا أو مباحا فإنه يتتبع فيه بتلك الصفة، وإن لم يعلم فإنه تثبت له صفة الإباحة، ثم لا يكون الاتباع فيه ثابتا إلا بقيام الدليل على كونه مخصوصا بصفته، وهذا هو المذهب الصحيح في أفعال النبي - عليه السلام -.

فإن قلت: قد علمت هنا صفته أنه كان واجبا لقوله: "أمر بالسواك".

[ ص: 383 ] قلت: قد يحتمل أن يكون ذلك الأمر خاصا به كما في الضحى ونحوه، ويحتمل أن يعم هو وأمته كما قال في الجواب الثاني بقوله: ويجوز أن يكون هو وجميع أمته في ذلك سواء، ولكن لهذين الاحتمالين يجب التوقيف حتى يقوم الدليل على ترجيح أحدهما، فاعتبرنا ذلك، فوجدنا حديث علي - رضي الله عنه - قد دل على أنه ليس بواجب -على ما يجيء إن شاء الله تعالى-.

وإسناد حديث علي حسن، بل صحيح; لأن ابن إسحاق ثقة ولكنه مدلس، ولكن قد صرح هنا بالتحديث.

وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد مسند أبيه وقال: حدثني عقبة بن مكرم الكوفي ، نا يونس بن بكير ، نا محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة .

وعن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" .

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" ولفظه: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" .

قوله: "لولا" كلمة لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي لولا زيد موجود، والمعنى ها هنا: لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب، وإلا لانعكس معناها؛ إذ الممتنع المشقة، والأمر موجود، وقد استدلت جماعة من الفقهاء على سنية السواك بهذا الحديث، فإن قلت: كيف تثبت بهذا؟ قلت: لما امتنع الوجوب لوجود المشقة، ثبت ما دون الوجوب وهو السنة؛ لعدم المانع، وهو المشقة; لأنه بسبيل في ترك السنة.

[ ص: 384 ] قوله: "بالسواك" أي باستعمال السواك; لأن نفس الخشبة التي تسمى سواكا ومسواكا أيضا ليست بسنة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه; لأمن اللبس، كما في قوله: "خير خلال الصائم السواك" أي استعماله.

قال أبو زيد : السواك يجمع على سوك، ككتاب وكتب، وسوك فاه تسويكا، وإذا قلت: استاك أو تسوك لم تذكر الفم.

وفي "النهاية" لابن الأثير: السواك بالكسر والمسواك: ما تدلك به الأسنان من العيدان، يقال: ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك، فإذا لم تذكر الفم، قلت: استاك.

قوله: "عند كل صلاة" يشعر بأنه مستحب عند كل صلاة، وما روي من حديث أبي هريرة الذي رواه الطحاوي عن مالك -على ما يأتي- يشعر بأنه مستحب [عند] كل وضوء، وأكثر أصحابنا ذكروه عند الوضوء، كذا في "المحيط" و"شرح مختصر الكرخي " و" الطحاوي " و"التحفة" و"الغنية" وقال صاحب "البدائع": ومن سنن الوضوء: السواك، ولكن المنقول عن أبي حنيفة على ما ذكره صاحب "المفيد" أنه من سنن الدين، فحينئذ تستوي فيه كل الأحوال، ولا سيما تتأكد سنيته عند تغير الفم ، وفي شرح الطحاوي : أنه سنة، رطبا كان أو يابسا، مبلولا بالماء أو لا، في جميع الأوقات على أي حال كان.

وقال أبو عمر : فضل السواك مجمع عليه، لا خلاف فيه، والصلاة عند الجميع به أفضل منها بغيره، حتى قال الأوزاعي : هو شطر الوضوء. ويتأكد طلبه عند إرادة الصلاة، وعند الوضوء، وقراءة القرآن، والاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وعند الأكل، وفي السحر.

[ ص: 385 ] وفي "المغني" لابن قدامة : قال أبو القاسم : السواك سنة مستحبة عند كل صلاة ، لا يعلم في هذا خلاف، غير ما حكي عن إسحاق وداود أنهما قالا بوجوبه استدلالا بالأمر به، وقول سائر أهل العلم أصح.

وقال ابن حزم هو سنة، ولو أمكن لكل صلاة لكان أفضل، وهو يوم الجمعة فرض لازم.

وحكى أبو حامد الإسفرائيني والماوردي عن أهل الظاهر وجوبه، وهو غير جيد، اللهم إلا إذا أراد به يوم الجمعة، وعن إسحاق أنه واجب، إن تركه عمدا بطلت صلاته، وزعم النووي أن هذا لم يصح عن إسحاق

ثم أصحابنا قالوا: الأولى أن يكون السواك من شجر مر في غلظ الخنصر، وطول الشبر، وأن يستاك طولا وعرضا ، وقد ورد في حديث أبي موسى الاستياك طولا، وورد في حديث بهز وربيعة بن أكثم وغيره الاستياك عرضا، وحديث عائشة - رضي الله عنها - "كان - عليه السلام - يستاك عرضا ولا يستاك طولا" ذكره أبو نعيم .

وفي "مراسيل أبي داود ": "إذا استكتم فاستاكوا عرضا" .

[ ص: 386 ] وفي "المغني" لابن قدامة ويستحب أن يجعل السواك أراكا أو عرجونا أو زيتونا أو عودا ينقي ولا يجرح ولا يتفتت، ولا يستاك بالرياحين ولا الرمان ولا الأعواد الذكية; لأنه روي أن السواك بعود الرياحين يحرك عرق الجذام، وقيل: السك بعود الرمان يضر بلحم الفم، فإن استاك بإصبعه أو بخرقة لم يصب السنة، وقيل: يكون مصيبا. انتهى .

وقال صاحب "الهداية": وعند فقده يعالج بالإصبع.

أي: عند عدم السواك يزاول بالإصبع.

وروى الطبراني في "الأوسط": من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه، عن جده مرفوعا: "الأصابع تجري مجرى السواك إذا لم يكن سواك" .

التالي السابق


الخدمات العلمية