صفحة جزء
4630 ص: وقد روي عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي، قال: ثنا يحيى، أن أبا سلمة حدثه قال: "أتيت أبا سعيد الخدري فقلت: هل سمعت النبي -عليه السلام- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع النبي -عليه السلام- العشر [ ص: 236 ] الأوسط من شهر رمضان، فلما كان صبيحة عشرين قام النبي -عليه السلام- فينا فقال: من كان خرج فليرجع، فإني أريت الليلة فأنسيتها، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر من شهر رمضان في وتر، . قال أبو سعيد: : وما نرى في السماء قزعة، فلما كان الليل إذا سحاب مثل الجبال فمطرنا حتى سال سقف المسجد -وسقفه يومئذ من جريد النخل- حتى رأيت النبي -عليه السلام- يسجد في ماء وطين، حتى رأيت الطين في أنف النبي -عليه السلام-".

ففي هذا الحديث أنها كانت عامئذ في ليلة إحدى وعشرين، فقد يجوز أن يكون ذلك العام هو عام آخر خلاف العام الذي كانت فيه في حديث ابن أنيس ليلة ثلاث وعشرين، وذلك أولى ما حمل عليه هذان الحديثان حتى لا يتضادا.


ش: أي قد روي عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري ، عن النبي -عليه السلام- خلاف ما روي عن عبد الله بن أنيس، فإن حديث ابن أنيس يدل على أن ليلة القدر إنما أمر بالتماسها في ليلة ثلاث وعشرين، وفي حديث أبي سعيد هذا إنما كانت في ذلك العام في ليلة إحدى وعشرين، وبينهما تضاد ظاهر، وأشار إلى وجه التوفيق بقوله: فقد يجوز أن يكون ذلك العام ... إلى آخره، وهو ظاهر.

ثم إسناد هذا الحديث صحيح.

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو ، ويحيى هو ابن أبي كثير الطائي ، وأبو سلمة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-.

وأخرجه مسلم : عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن أبي المغيرة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي سلمة .

وأخرجه أيضا : عن محمد بن مثنى، قال: نا أبو عامر، قال: نا هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة قال: "تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة، فقلت [ ص: 237 ] له: سمعت رسول الله -عليه السلام- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -عليه السلام- العشر الوسطى في رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبنا رسول الله -عليه السلام- فقال: إني رأيت ليلة القدر، وإني نسيتها أو نسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -عليه السلام- فليرجع، قال: فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، قال: وجاءت سحابة فمطرنا حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله -عليه السلام- يسجد في الماء والطين، قال: حتى رأيت أثر الطين في جبهته".

وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا.

قوله: "العشر الأوسط" رواه بعضهم: "العشر الوسط" -بضم الواو والسين- جمع واسط، كمنازل ونزل، ورواه بعضهم: "الوسط" -بضم الواو وفتح السين- جمع وسطى ككبر وكبرى، وأكثر الروايات فيه: الأوسط، وقيل: إنه جاء على لفظ العشر، فإن لفظ العشر مذكر.

وقوله: "أريت الليلة" على صيغة المجهول، و"الليلة" نصب على الظرف.

قوله: "وإني أنسيتها" على صيغة المجهول من الإنساء، وفي رواية مسلم: "فنسيتها" على صيغة المعلوم من الثلاثي، وفي رواية "فنسيتها" على صيغة المجهول من باب نسي بالتشديد.

قوله: "قزعة" بالعين أي قطعة من الغيم، وجمعها قزع.

قوله: "فمطرنا" على صيغة المجهول، يقال: مطرت السماء تمطر مطرا،

[ ص: 238 ] وأمطرها الله، وقد مطرنا، وناس يقولون: مطرت السماء وأمطرت بمعنى، ومنهم من يخص أمطر في العذاب، كما في قوله: وأمطرنا عليها حجارة

قوله: "حتى سال سقف المسجد" من قبيل: سال الوادي وأريد ماؤها؛ لأن السقف لا يسيل ولا نفس الوادي، وهو من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال.

قوله: "وسقفه يومئذ" حال.

التالي السابق


الخدمات العلمية