صفحة جزء
5571 ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عمر بن يونس بن القاسم، قال: حدثني أبي ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال: نهى رسول الله -عليه السلام- عن بيع المحاقلة والمزابنة ، والمخاضرة ، والملامسة ، والمنابذة، ، قال عمر: : فسر لي أبي في المخاضرة ، قال: لا ينبغي أن يشترى شيء من ثمر النخل حتى يونع، يحمر أو يصفر".


ش: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

وأخرجه البخاري نحوه. غير أنه ليس فيه قال عمر ... إلى آخره.

و"المحاقلة" هي اكتراء الأرض بالحنطة هكذا جاء مفسرا في الحديث، وهو الذي يسميه الزراعون المحارثة.

[ ص: 461 ] وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما.

وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبر.

وقيل: هي بيع الزرع قبل إدراكه، وهي مفاعلة من الحقل وهو الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه، وقيل: هو من الحقل، وهي الأرض التي تزرع، ويسميه أهل العراق: القراح.

وفي "الموطأ" : "نهى رسول الله -عليه السلام- عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة: اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل، والمحاقلة: كراء الأرض بالحنطة، وفي "شرح الموطأ" لابن زرقون: معنى قوله: "المحاقلة: كراء الأرض بالحنطة" أنه يؤول إلى بيع الحنطة بالحنطة، جزافا بجزاف، أو جزافا بمكيل.

وقال صاحب "العين": المحاقلة: بيع الزرع قبل بدو صلاحه، وقال سفيان: المحاقلة: بيع السنبل في الزرع بالحب.

وأما "المزابنة": فقال ابن الأثير: هي بيع الرطب في رءوس النخل، بالتمر، وأصله من الزبن وهو الدفع، كأن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه.

وفي "شرح الموطأ": المزابنة اسم لبيع رطب كل جنس بيابسه ومجهول منه بمعلوم، ولعله مأخوذ من الزبن وهو الدفع عن البيع الشرعي، وعن معرفة التساوي.

وقال ابن حبيب: الزبن والزبان هو الخطر والخطار، وقال مالك: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن المزابنة، وتفسيرها: أنها كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده بيع بشيء من الكيل أو الوزن أو العدد، مثل أن يكون لرجل صبرة طعام حنطة أو تمر وشبه ذلك أو صبرة خبط أو نوى أو قصب أو عصفر أو كتان أو قز لا يعلم كيل ذلك ولا وزنه ولا عدده، فيقول له رجل: كل [ ص: 462 ] سلعتك هذه، أو زن ما يوزن، أو اعدد ما يعد من ذلك، فما نقص من كذا فعلي غرمه وما زاد فلي، أضمن ما نقص على أن يكون لي ما زاد، فليس ذلك بيعا ولكنه مخاطرة أو قمار.

قال: ومن ذلك أن يكون له ثوب فيقول له رجل أضمن لك من ثوبك هذا كذا وكذا ظهارة، قدر كل ظهارة كذا أو يقول لرجل له جلود: أضمن لك من جلودك هذه نعالا مائة، فما ينقص من ذلك كله فعلي، وما زاد فلي، بما ضمنت لك، ومثله أن يقول لرجل له حب البان: اعصر حبك، فما نقص من كذا وكذا ، أو يقول لرجل له خبط أو نوى أو غير ذلك: أبتاع منك هذا الخبط بخبط مثله، أو هذا النوى بكذا وكذا صاعا من نوى مثله، أو في غير ذلك مثل هذا.

فهذا كله من المزابنة التي لا تصح ولا تجوز، وقال الشافعي: المزابنة الجزاف بالمكيل، والجزاف بالجزاف فيما لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا، يدا بيد ونحوه نقل عن أحمد ، وقال أصحابنا: المزابنة: بيع الرطب على النخل بتمر مجزوز مثل كيله خرصا وهو بيع فاسد، وقال الشافعي: يجوز فيما دون خمسة أوسق، وبه قال أحمد ، وله في الخمسة قولان، وفي الزائد يبطل قولا واحدا.

قوله: "والمخاضرة" بالخاء والضاد المعجمتين، وهي بيع الثمار خاضرا لم يبد صلاحها.

وقال أبو عمر: المزابنة عام؛ لأنها تطلق على اشتراء التمر بالتمر، وعلى اشتراء الزرع بالحنطة، وعلى بيع تمر حائط إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما بزبيب كيلا، وإن كان زرعا بكيل طعاما، والمحاقلة خاص في الزرع، والمخاضرة خاص في الخضرة.

قوله: "والملامسة" وهي أن يقول إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يلمس المباع من وراء ثوب ولا ينظر إليه ثم يوقع البيع عليه، نهي عنه؛ لأنه غرر، أو لأنه تعليق أو عدول عن الصيغة [ ص: 463 ] الشرعية، وقيل: معناه أن يجعل اللمس بالليل قاطعا للخيار، ويرجع ذلك إلى تعليق اللزوم، وهو غير نافذ، وقال مالك في "الموطأ" : والملامسة: أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يتبين ما فيه، أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه.

قوله: "والمنابذة" وهي أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلي الثوب أو أنبذه إليك فيجب البيع، وقيل: هي أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع فيكون البيع معاطاة من غير عقد ولا يصح، يقال: نبذت الشيء أنبذه نبذا، فهو منبوذ إذا رميته وأبعدته.

وقال مالك : المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، على غير تأمل منهما، ويقول كل واحد منهما هذا بهذا.

وقال أصحابنا: كانت بيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة بيوعا للجاهلية، فنهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك.

وبيع الحصاة أن تكون ثياب مبسوطة فيقول المبتاع للبائع: أي ثوب من هذه وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي بكذا، فيقول البائع: نعم.

فهذا كله وما كان مثله غرر وقمار.

قوله: "وحتى يونع" من أينع الثمر ويونع وينع، يينع وينع فهو مونع ويانع، إذا أدرك ونضج، وأينع أكثر استعمالا.

قوله: "يحمر أو يصفر" تفسير لقوله يونع.

التالي السابق


الخدمات العلمية