صفحة جزء
5599 5600 [ ص: 498 ] ص: حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن المزابنة، إلا أنه رخص في العرايا".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد ، عن أيوب ، عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء ، عن جابر: "أن النبي -عليه السلام- نهى عن المحاقلة والمزابنة ، والمخابرة . -وقال أحدهما: والمعاومة، ، وقال الآخر: بيع السنين -ونهى عن الثنيا ورخص في العرايا".


ش: هذان طريقان آخران صحيحان:

الأول: عن المزني ، عن الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح المكي .... إلى آخره.

وأخرجه مسلم بأتم منه : نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: نا مخلد بن يزيد الجزري، قال: نا ابن جريج ، قال: أخبرني عطاء ، عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة، وعن بيع الثمرة حتى تطعم، ولا تباع إلا بالدراهم والدنانير إلا العرايا ... " الحديث.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سليمان بن حرب الواشحي شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي وسعيد بن ميناء كلاهما، عن جابر -رضي الله عنه-.

وأخرجه مسلم : ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن عبيد الغبري -واللفظ لعبيد الله- قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا أيوب ، عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء ، عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة -قال أحدهما: بيع السنين هي المعاومة- وعن الثنيا، ورخص في العرايا".

[ ص: 499 ] وقد مر تفسير المحاقلة والمزابنة، وأما المخابرة فقد فسرها جابر في كتاب مسلم بأنها الأرض يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها، ثم يأخذ من الثمر، وقال أهل اللغة: المخابرة هي المزارعة على النصيب كالثلث وغيره، والخبرة النصيب، وقال الأزهري: الخبر يكون زرعا ويكون إكارا، وقال ابن الأعرابي: أصل المخابر مأخوذ من خيبر؛ لأن النبي -عليه السلام- كان أقرها في أيدي أهلها على النصف، فقيل: خابرهم أي عاملهم في خيبر. وقيل: هي من الخبار وهي الأرض اللينة، قاله ابن الأثير .

قوله: "والمعاومة" وهي بيع السنين، يعني بيع ثمرة حائطه سنين، وقد مر الكلام فيه أيضا.

قوله: "ونهى عن الثنيا" بضم الثاء المثلثة وسكون النون، وهي أن يستثنى في البيع شيء مجهول فيفسده. وقيل: هو أن يباع شيء جزافا فلا يجوز أن يستثنى منه شيء، قل أو كثر، وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثنى بعد النصف أو الثلث كيل معلوم.

وقد استدل أبو حنيفة والشافعي بظاهر هذا الحديث، وتمسكا بعموم نهيه عن بيع الثنيا، ولم يجوزا إذا باع صبرة واستثنى منها جزءا، وإن كان معلوما، وأجاز مالك أن يستثنى منها من الملكية ما يعلم أنه لا يزيد على ثلث جميعه، لأن ذلك عنده في حكم اليسير الذي لا يؤدي إلى الجهالة بالبيع، فوجب أن يجوز.

وقال القاضي: ومن الثنيا اشتراط البائع على المبتاع متى جاءه بالثمن فالسلعة له، وهذا الذي يسميه الموثوقون بيع الثنيا، ومنها قول المشتري: إن لم آتك بالثمر يوم كذا فلا بيع بيني وبينك.

فاختلف العلماء، فبعضهم أبطل الشرط وصحح البيع، ومنهم من ألزم قائله ما شرط وجعل الآخر بالخيار. والوجهان يرويان عن مالك، وما كان من ذلك على التطوع بعد العقد لزم الوفاء به. وأما ثنيا المشتري بعض ثمرة نخله التي باع فلا يخلوا أن يكون على الكيل أو الجزء أو ثمرة نخلات معينات، فأما النخلات المعينات فلا خلاف في جواز استثنائها؛ لأنه لم يقع عليها بيع جملة، وإن استثني بعضها على الكيل [ ص: 500 ] فمذهب عامة العلماء وفقهاء الفتيا بالأمصار: أنه لا يجوز من ذلك قليل ولا كثير، وذهب مالك في جماعة أهل المدينة إلى جواز ذلك ما بينه وبين ثلث الثمرة، لا يزيد على ذلك، وإن استثنى جزءا مشاعا فيجوز عند مالك وعامة أصحابه؛ قل أو كثر.

وذهب عبد الملك إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر، والخلاف في ذلك مبني على جواز استثناء الأكثر من الأقل، وقد اختلف في ذلك النحاة والأصوليون وكتاب الله يشهد بجوازه؛ فإن الله تعالى قال عن إبليس: قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ثم قال تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فقد استثني كل صنف من الآخر [....] لا سيما ما وردت به الآثار في تكثير الغاوين.

التالي السابق


الخدمات العلمية