صفحة جزء
[ ص: 14 ] ص: وخالفهم في ذلك آخرون، ثم افترق المخالفون لهم على فرقتين، فقالت فرقة: البيع جائز والشرط باطل. وقالت فرقة: البيع فاسد.

وسنبين ما ذهب إليه الفريقان جميعا في هذا الباب إن شاء الله تعالى.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: ابن أبي ليلى وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي وأشهب وأحمد في رواية.

ثم افترق هؤلاء على فرقتين، فقالت فرقة - وهم: ابن أبي ليلى وأحمد - في رواية - وأشهب -: البيع جائز والشرط باطل.

وقالت فرقة - وهم: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي -: البيع فاسد.

وفي "شرح الموطأ" قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يشترط سكنى الدار ولا خدمة العبد ولا ركوب الدابة وقتا بحال؛ والبيع فاسد.

وكره الليث بن سعد أن يشترط سكنى الدار عشرين سنة، وأجاز اشتراط سكناها سنة، وإن احترقت في السنة كانت من المشتري، ولم يجز اشتراط ركوب الدابة إلى موضع قريب ولا بعيد، وإن اشترط البائع على المبتاع إيقاع معنى من معاني البر، فإن اشترط عليه من ذلك ما يتعجل كالعتق المعجل؛ فذلك جائز لبعده عن الغرر، وبه قال الشافعي، ولم يجزه أبو حنيفة .

فإن امتنع البائع من إنفاذ العتق، فقال أشهب: يجبر على العتق] وقاله ابن كنانة في المدينة، وزاد: ولو رضي البائع بذلك لم يكن له ذلك، ويعتق عليه.

وقال ابن القاسم: إن كان اشتراه على إيجاب العتق فهو حر، وإن كان اشتراه من غير إيجاب عتق لم يجبر على عتقه، والإيجاب أن يقول: اشتريته منك فهو حر، وإن لم يقل ذلك وإنما اشترط أن يستأنف عنه بعد كمال ملكه فليس بإيجاب.

[ ص: 15 ] وقال الشافعي: البيع فاسد، ويمضي العتق اتباعا للسنة. وروي عنه: البيع جائز والشرط باطل. وروى المزني عنه: لا يجوز تصرف المشتري في البيع الفاسد بحال.

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واستحسن أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أن يجيز له العتق ويجعل عليه الثمن، وإن مات قبل أن يعتقه كانت عليه القيمة.

وقال أبو يوسف: العتق جائز وعليه القيمة.

وانفرد الشافعي بقوله فيمن اشترى عبدا شراء فاسدا وقبضه وأعتقه: إنه لا يجوز عتقه؛ لأنه لم يملكه بالبيع الفاسد، ولا يجوز له التصرف فيه.

وقال ابن حزم في "المحلى": وكل شرط وقع في بيع منهما أو من أحدهما برضا الآخر فإنهما إن عقداه قبل عقد البيع وبعد تمام البيع بالتفرق بالأبدان أو بالتخيير أو في أحد الوقتين - يعني قبل العقد أو بعده - ولم يذكراه في حين عقد البيع؛ فالبيع صحيح تام، والشرط باطل لا يلزم.

فإن ذكرا ذلك الشرط في حال عقد البيع فالبيع باطل مفسوخ والشرط باطل أي شرط كان؛ لا يحاش شيئا إلا سبعة شروط فإنها لازمة، والبيع صحيح إن اشترطت في البيع وهي: اشتراط الرهن فيما تبايعاه إلى أجل مسمى، واشتراط تأخير الثمن إن كان دنانير أو دراهم إلى أجل مسمى، واشتراط الثمن إلى الميسرة وإن لم يذكرا أجلا، واشتراط صفات المبيع التي يتراضيانها معا ويبتاعان ذلك الشيء على أنه بتلك الصفة، واشتراط أن لا خلابة، وبيع العبد أو الأمة فيشترط المشتري مالهما أو بعضه مسمى معينا أو جزءا منسوبا مشاعا في جميعه سواء كان مالهما مجهولا كله أو معلوما كله، أو معلوما بعضه ومجهولا بعضه، وبيع أصول نخل فيها ثمرة قد أبرت قبل الطيب أو بعده، فيشترط المشتري الثمرة لنفسه أو جزءا معينا منها أو مسمى مشاعا في جميعها.

[ ص: 16 ] فهذه ولا مزيد وسائرها باطل، كمن باع مملوكا بشرط العتق أو أمة بشرط الإيلاد أو دابة واشترط ركوبها مدة مسماة - قلت أو كثرت - أو إلى مكان مسمى - قريب أو بعيد - أو دارا واشترط سكناها ساعة فما فوقها، أو غير ذلك من الشروط كلها.

وقال ابن حزم : حدثني محمد بن إسماعيل بن إسحاق العذري القاضي بسرقسطة، ثنا محمد بن علي الرازي المطوعي، نا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، ثنا جعفر بن محمد الخلدي، ثنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير، ثنا محمد بن سليمان الذهلي، ثنا عبد الوارث - هو ابن سعيد - التنوري: "قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة عمن باع بيعا واشترط شرطا، فقال: البيع باطل والشرط باطل.

ثم سألت ابن أبي ليلى عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط باطل.

ثم سألت ابن شبرمة عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز.

فرجعت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قالا فقال: لا أدري ما قالا؛ ثنا عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع وشرط، البيع باطل والشرط باطل. فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته بما قالا فقال: لا أدري ما قالا؛ ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اشتري بريرة واشترطي لهم الولاء. البيع جائز والشرط باطل.

فأتيت ابن شبرمة فأخبرته بما قالا فقال: لا أدري ما قالا؛ ثنا مسعر بن كدام ، عن محارب بن دثار ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: أنه باع من رسول الله -عليه السلام- جملا واشترط ظهره إلى المدينة. البيع جائز والشرط جائز". والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية