صفحة جزء
5733 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي رافع: " ، أن رسول الله -عليه السلام- استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا، فقال: أعطه إياه]؛ إن خيار الناس أحسنهم قضاء". .


ش: رجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مسلم: عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن مالك ... إلى آخره نحوه.

وعن أبي كريب ، عن خالد بن مخلد، عن محمد بن جعفر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء .

قوله: "استسلف" من قولهم: استسلفت منه دراهم، وتسلفت فأسلفني.

قوله: "بكرا"، بفتح الباء وهو الفتي من الإبل، بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة، وقد يستعار للناس.

قوله: "إلا جملا خيارا" أي مختارا جيدا. قال صاحب "العين": ناقة خيار وجمل خيار، والجمع خيار أيضا، وكذلك ناقة هجان وهي الكريمة، وإبل هجان بلفظ واحد.

[ ص: 110 ] "رباعيا" بفتح الراء وتخفيف الباء، يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته: رباع، والأنثى رباعية بالتخفيف، وذلك إذا دخلا في السنة السابعة.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: احتج به قوم على جواز استقراض الحيوان على ما يجيء.

الثاني: فيه ما يدل أن المقرض إذا أعطاه المستقرض أفضل مما أقرضه جنسا أو كيلا أو وزنا أن ذلك معروف، وأنه يطيب له أخذه منه؛ لأنه -عليه السلام- أثنى فيه على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة.

قلت: هذا عند جماعة العلماء إذا لم يكن غير شرط منهما في حين السلف، وقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم -عليه السلام- أن اشتراط الزيادة في السلف ربا.

الثالث: فيه دليل على أن للإمام أن يستسلف للمساكين على الصدقات ولسائر المسلمين على بيت المال؛ لأنه كالوصي لجميعهم والوكيل، ومعلوم أنه -عليه السلام- لم يستسلف ذلك لنفسه؛ لأنه قضاه من إبل الصدقة، ومعلوم أن الصدقة محرمة عليه لا يحل له أكلها ولا الانتفاع بها.

فإن قيل: فلم أعطى من أموالهم أكثر مما استقرض لهم؟

قلت: هذا الحديث دليل على أنه جائز للإمام إذا استقرض للمساكين أن يرد من مالهم أكثر مما أخذ على وجه النظر والصلاح إذا كان على غير شرط.

فإن قيل: إن المستقرض منه غني والصدقة لا تحل لغني!

قلت: قد يحتمل أن يكون المستقرض منه قد ذهبت إبله بنوع من جوائح الدنيا، فكان في وقت صرف ما أخذ منه إليه فقيرا تحل له الزكاة، فأعطاه النبي -عليه السلام- خيرا من بعيره بمقدار حاجته، وجمع في ذلك وضع الصدقة في موضعها وحسن القضاء.

ويحتمل أن يكون غارما أو غازيا ممن تحل له الصدقة من الأغنياء.

الرابع: فيه حجة لمن يوجب على من استهلك شيئا من الحيوان مثله إن وجد له مثل لا قيمة.

[ ص: 111 ] قالوا: وكما يكون له مثل في القضاء فكذلك يكون له مثل في الضمان عن الاستهلاك.

وممن قال بالمثل في المستهلكات كلها: الشافعي وأحمد وداود وجماعة.

وأما مالك فقد قال: من استهلك شيئا من الحيوان بغير إذن صاحبه فعليه قيمته ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان.

الخامس: فيه أن التداين في البر والطاعات والمباحات جائز، وإنما يكره التداين في الإسراف وما لا يجوز، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية