صفحة جزء
6336 6337 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن حصينا قد روى هذا الحديث عن زيد بن وهب على خلاف هذا المعنى الذي رواه الأعمش .

حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: ثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن يزيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال: " كنا مع رسول الله -عليه السلام- فأصاب الناس ضبابا فاشتووها فأكلوها فأصبت منها ضبا فشويته، ثم أتيت به النبي -عليه السلام- فأخذ جريدة، ، فجعل يعد بها أصابعه، فقال: إن أمة من بني إسرائيل ، مسخت دواب في الأرض، وإني لا أدري لعلها هي، فقلت: إن الناس قد اشتووها فأكلوها، فلم يأكل، ولم ينه". .

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو عوانة ، عن حصين ، فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: ثابت بن وديعة .

ففي هذا الحديث خلاف ما في الحديث الأول؛ لأن في هذا: أن رسول الله -عليه السلام- لم ينههم عن أكلها، وقد خشي في هذا الحديث أن يكون ممسوخا كما خشي في الحديث الأول، غير أنه يجوز أن يكون قد ترك النهي لأنهم كانوا في مجاعة -على ما في حديث الأعمش- فأباح لهم ذلك للضرورة.


ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين فيما ذهبوا إليه، أن حصينا -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- بيان ذلك: أن الحديث الذي رواه الأعمش، [ ص: 93 ] عن زيد بن وهب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى قد رواه حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن زيد على خلاف ذلك، فإنه قال في حديثه: إنهم أكلوها، وإن النبي -عليه السلام- لم يأكل ولم ينه، وتركه -عليه السلام- أكله لكونه قد خشي أن يكون ممسوخا، وهذا المعنى موجود في الحديثين جميعا، غير أنه يحتمل أن يكون تركه النهي في حديث حصين؛ لكونهم في جوع وشدة، فأباح لهم ذلك لأجل الضرورة.

فإذا كان كذلك لا تقوم بالحديثين حجة لأهل المقالتين.

أما الحديث الأول: فلأنه يعارض الحديث الثاني.

وأما الحديث الثاني: فقد ذكرنا أنه يحتمل أن يكون ترك النبي -عليه السلام- النهي عن أكله لكونهم في مجاعة، فحينئذ يحتاج في ذلك إلى إقامة الحجة من غير هذا الحديث الذي وقع فيه الاختلاف.

وقد أشار الطحاوي إلى ذلك بقوله: ثم رجعنا إلى ما في ذلك أيضا على ما يجيء الآن إن شاء الله.

ثم إنه أخرج حديث حصين عن زيد بن وهب من طريقين صحيحين:

الأول: عن فهد بن سليمان ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن محمد بن فضيل بن غزوان الضبي الكوفي ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن زيد بن وديعة، ويقال: ثابت بن يزيد، وقال أبو عمر: ثابت بن وديعة بن خذام بن زيد بن مالك، نسب إلى جده، وفي "التهذيب": له ولأبيه صحبة، وحديثه في الضب يختلفون فيه اختلافا كثيرا.

والحديث أخرجه الطبراني: نا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ... إلى آخره نحوه.

[ ص: 94 ] الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة -رضي الله عنه- .

وأخرجه أبو داود: ثنا عمرو بن عون، قال: أنا خالد ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن وديعة قال: "كنا مع رسول الله -عليه السلام- في جيش، فأصبنا ضبابا قال: فشويت منها ضبا، فأتيت رسول الله -عليه السلام- فوضعته بين يديه، فأخذ عودا فعد به أصابعه، ثم قال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض، ولا أدري أمن الدواب هي؟ قال: فلم يأكل، ولم ينه".

وأخرجه النسائي: عن سليمان بن منصور البلخي ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن حصين ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن يزيد الأنصاري، نحوه.

وأخرجه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة، نحوه.

التالي السابق


الخدمات العلمية