صفحة جزء
6820 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بالقسم بأسا، وجعلوه يمينا، وحكموا له بحكم اليمين، وقالوا: قد ذكر الله -عز وجل- في غير موضع في كتابه، فقال -عز وجل-: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة وقال: [ ص: 392 ] فلا أقسم بمواقع النجوم وقال: لا أقسم بهذا البلد فكان تأويل ذلك عند العلماء جميعا أقسم بيوم القيامة، و"لا": صلة، وقال الله -عز وجل-: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا فلم يعبهم بقسمهم، ورد عليهم كفرهم، فقال: بلى وعدا عليه حقا وكان في ذكره جهد أيمانهم دليل على أن ذلك القسم الذي كان منهم: يمينا، وقال الله -عز وجل-: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين فلم يعب ذلك عليهم ثم قال -عز وجل-: ولا يستثنون

فحدثني سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن قال: في هذه الآية دليل على أن القسم يمين، لأن الاستثناء لا يكون إلا في اليمين.

وإذا كانت يمينا كانت مباحة فيما سائر الأيمان فيه مباحة، ومكروهة فيما سائر الأيمان فيه مكروهة.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم النخعي والثوري وأبا حنيفة وأصحابه، فإنهم قالوا: لا بأس بالقسم، فإذا قال: أقسم أو أقسمت يكون يمينا، ويكون حكمه حكم اليمين، حتى تجب عليه الكفارة عند الحنث كما في اليمين.

قوله: "وقالوا. . . ." إلى آخره بيان احتجاجهم فيما ذهبوا إليه من صحة القسم بالآيات المذكورة، وهو ظاهر.

ثم اختلف العلماء في كلمة "لا" المتقدمة على القسم في الآيات المذكورة.

[ ص: 393 ] فقال بعضهم: إنها صلة، أي زائدة، ثم اختلف هؤلاء في فائدتها على قولين: أحدهما: أنها توطئة وتمهيد لنفي الجواب، والتقدير: "لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى" ومثله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك وقول الشاعر:


لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفر



ورد بقوله تعالى: لا أقسم بهذا البلد الآيات فإن جوابه مثبت وهو: لقد خلقنا الإنسان في كبد ومثله: فلا أقسم بمواقع النجوم

والثاني: أنها زيدت لمجرد التأكيد كما في لئلا يعلم أهل الكتاب

وقال بعضهم: إنها نافية، ثم اختلفوا في منفيها على قولين:

أحدهما: أنه شيء تقدم، وهو ما حكي عنهم كثيرا من إنكار البعث، فقيل لهم: ليس الأمر كذلك، ثم استؤنف القسم، قالوا: وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في أخرى. نحوه: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون وجوابه: ما أنت بنعمة ربك بمجنون

والثاني: أن منفيها: "أقسم" وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء، واختاره الزمخشري .

التالي السابق


الخدمات العلمية