قوله: "ومن أظلم" أي لا أحد أظلم ممن يذهب يخلق -أي يقدر- لأن معنى الخلق في الأصل: التقدير، ومنه حديث أخت أمية بن أبي الصلت قالت: "فدخل علي وأنا أخلق أديما" أي أقدره لأقطعه، وحاصل المعنى: لا يوجد أحد أكثر ظلما من رجل صور صورة شبيهة بالصورة التي صورها البارئ -عز وجل-؛ لأن هذا أمر مختص به، فمن أراد التشبه بذلك فقد ارتكب أمرا عظيما ومحظورا جسيما.
قوله: "فليخلقوا ذرة" أمر تعجيز كما في قوله -عليه السلام-: "أحيوا ما خلقتم" وفيه أيضا قرع وتبكيت، وتنبيه على أن هذا الصنيع لا يقدر عليه أحد غير الله، وأنه هو الخالق البارئ المصور، القادر على جميع الأشياء من غير مادة وآلة واستعانة بأحد، وإنما عين الذرة لأنها أضعف المخلوقات وأصغرها جدا، فمن عجز عن تخليق هذا، فما فوقه أعجز، وكذلك تعيين الحبة أو الشعيرة، لكونها أقل الأشياء في الجمادات، كما أن الذرة أضعفها في الحيوانات، والمخلوقات مشتملة على هذين القسمين.