صفحة جزء
6968 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا مالك بن أنس ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، أن عتيك بن الحارث بن عتيك -وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه- أخبره، أن جابر بن عتيك أخبره: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت، ، فوجده قد غلب، فصاح به، فلم يجبه، فاسترجع رسول الله -عليه السلام- ، وقال: غلبنا عليك يا أبا الربيع، ، فصاح النسوة وبكين، وجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله -عليه السلام-: دعهن؛ فإذا وجب فلا تبكين باكية، قالوا: يا رسول الله وما الوجوب؟ قال: إذا مات". .


ش: إسناده صحيح.

وجابر بن عتيك بن قيس الأنصاري السلمي الصحابي - رضي الله عنه -.

وأخرجه مالك في "موطإه" بأتم منه. وهو قوله بعد قوله: "إذا مات، فقالت ابنته: والله إن كنت أرجو أن يكون شهيدا فإنك [كنت] قد قضيت جهازك، فقال رسول الله -عليه السلام-: إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -عليه السلام-: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، [ ص: 497 ] والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد".

وأخرجه أبو داود : عن القعنبي ، عن مالك .

والنسائي وابن ماجه أيضا.

قوله: "جاء يعود عبد الله بن ثابت" أي جاء يزوره ويتفقد حاله.

وعبد الله بن ثابت الأنصاري أبو الربيع الظفري من بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .

قوله: "قد غلب" على صيغة المجهول.

قوله: "فاسترجع" أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مثل ما يقال: حوقل؛ إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وبسمل إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

قوله: "يا أبا الربيع" هو كنية عبد الله بن ثابت المذكور.

قوله: "وما الوجوب" أصل الوجوب السقوط؛ قال الله تعالى: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وهو أن تميل فتسقط، وإنما يكون ذلك إذا زهقت نفسها، ويقال للشمس إذا غابت: قد وجبت الشمس.

قوله: "المطعون" من طعن الرجل فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون، وهو غدة كغدة البعير، تخرج في الآباط ونحوها.

"والغريق": الذي يموت في الماء غرقا.

و"صاحب ذات الجنب": هي الشوصة، قاله أبو عمر ، وقال غيره: ذات الجنب [ ص: 498 ] خلط ينصب إلى الغشاء المستبطن للأضلاع، فيحدث ورما حارا، وعلامته حمى لازمة وسعال وضيق نفس ووجع ناخس.

و"المبطون": العليل البطن، وهو صاحب الإسهال، وقال أبو عمر : فقيل فيه: إنه المحبون.

قوله: "تموت بجمع" بضم الجيم وسكون الميم، والمعنى تموت وفي بطنها ولد، وقيل: التي تموت بكرا، والجمع بمعنى المجموع، كالذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة، وقال أبو عمر : فيه قولان لكل واحد منهما وجهان:

أحدهما: هي المرأة تموت من الولادة وولدها في بطنها وقد تم خلقه وماتت من النفاس وولدها في بطنها لم تلده، قال أبو عبيد : الجمع: الناقة في بطنها ولدها. وقيل: إذا ماتت من الولادة وسواء ماتت وولدها في بطنها أو ولدته ثم ماتت.

والقول الآخر: هي التي تموت عذراء لم تنكح ولم تفتض. وقيل: هي التي تموت ولم تطمث، والمعنى واحد؛ لقوله تعالى: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان أي لم يطأهن.

والقول الأول أكثر وأشهر.

ويستنبط منه أحكام:

سنية عيادة المرضى؛ لأنه -عليه السلام- فعلها وأمر بها وندب إليها.

وعيادة الرجل العالم الكبير الشريف من هو دونه.

وفيه: الصياح بالعليل على وجه النداء له ليسمع فيجيب عن حاله، ألا ترى أن رسول الله -عليه السلام- صاح بقوله: يا أبا الربيع، فلما لم يجبه استرجع؟

وسنية الاسترجاع عند المصيبة.

[ ص: 499 ] وفيه: جواز تكنية الرجل الكبير لمن هو دونه، وهذا يبطل ما يحكى عن الخلفاء أنهم لا يكنون أحدا.

وفيه: إباحة البكاء على الميت كالصياح وغيره عند حضور وفاته.

وفيه: النهي عن البكاء إذا وجب موته، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى.

وفيه: أن التجهز للعدو إذا حيل بينه وبينه، يكتب له أجر الغازي، ويقع أجره على قدر نيته.

وفيه: أن الأعمال بالنيات، وأن نية المؤمن خير من علمه.

وفيه: طرح العالم [المسألة] على المتعلم، ألا ترى إلى قوله -عليه السلام-: "ما تعدون الشهادة فيكم" ثم أجابهم بخلاف ما عندهم، وأن الشهداء سبعة بنصه -عليه السلام-، ولكن المراد بهذه الشهادة الحكمية، يعني أن هؤلاء كالشهيد حقيقة عند الله في وفور الأجر؛ ولهذا يغسلون ويكفنون كسائر الموتى بخلاف الشهيد الحقيقي وهو الذي قتل ظلما، ولم تجب بقتله دية، أو وجد في المعركة قتيلا كما عرف في الفروع بالخلاف الذي فيه، وقد ذكر في معنى هؤلاء السبعة شيء آخر، وفي كتاب "المعرفة": حدثنا أبو علي الحنفي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عبد الملك بن عمير قال: سمعته يقول فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من حبسه السلطان وهو ظالم له فمات في حبسه ذلك فهو شهيد، ومن ضربه السلطان ظالما فمات من ضربه ذلك فهو شهيد، وكل موت يموت به المسلم فهو شهيد، غير أن الشهادة تتفاضل.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - "أن من يتردى من الجبال، أو يغرق في البحور، أو يأكله السبع، شهداء عند الله يوم القيامة".

التالي السابق


الخدمات العلمية