صفحة جزء
6988 6989 ص: وقالوا : هذا الذي روي عن رسول الله -عليه السلام - إنما هو على خاص من الشعر ، فذكروا في ذلك ما حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح قال : "قيل لعائشة : إن أبا هريرة يقول : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا .

[ ص: 12 ] فقالت عائشة - رضي الله عنها - : يرحم الله أبا هريرة ، ، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره ; إن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام - فقال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا من مهاجاة رسول الله -عليه السلام - " .

حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي ، قال : ثنا أبو عبيدة ، قال : سمعت يزيد ، يحدث ، عن الشرقي بن القطامي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، أن النبي -عليه السلام - قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا -يعني من الشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - " .


ش: أي قال هؤلاء الآخرون ، وهذا جواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى ، بيانه أن هذه الأحاديث واردة على نوع مخصوص من الشعر ، وهو الذي يكون فيه هجاء أو فحش وليس ذلك بممنوع مطلقا ; والدليل على ذلك ما روي عن عائشة وعامر الشعبي فإنهما قد بينا أن المراد من الشعر الممنوع هو الشعر الذي فيه هجاء وثلب عرض وفحش ، ألا ترى كيف أنكرت عائشة على أبي هريرة حيث قالت : "يرحم الله أبا هريرة ; حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره " أرادت أن مورد هذا الحديث الذي رواه هو أن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام - ، فقال النبي -عليه السلام - ما قال من ذلك ; ردعا لهم وزجرا لغيرهم عن أن يأتوا بمثل ذلك ، وكذلك قال الشعبي ، فإنه فسر الشعر في قوله : "خير له من أن يمتلئ شعرا " بالشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - ، وليس المراد مطلق الشعر فافهم .

أما ما روي عن عائشة : فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبد الله بن وهب ، عن إسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة - بن سليم الشامي الحمصي ، فيه مقال ، وعن دحيم : هو غاية في الشاميين وخلط عن المدنيين .

وهو يروي عن محمد بن السائب ، ضعفه يحيى ، وعنه : ليس بشيء . روى له الترمذي وابن ماجه .

وهو يروي عن أبي صالح باذان -ويقال : ماذان - مولى أم هانئ بنت أبي طالب ،

[ ص: 13 ] قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : ليس بثقة . وعن يحيى : ليس به بأس ، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء .

وأما ما روي عن عامر الشعبي : فأخرجه عن علي بن عبد العزيز الحافظ شيخ الطبراني ، وثقه ابن حبان والدارقطني ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي الفقيه القاضي ، الأديب المشهور ، صاحب التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة . عن يزيد بن هارون -شيخ أحمد ، روى له الجماعة .

عن الشرقي بن قطامي الكوفي واسمه : الوليد ، واسم أبيه : الحصين ، وثقه ابن حبان ، وضعفه الساجي .

عن مجالد بن سعيد الهمداني ضعفه يحيى بن معين ، ووثقه النسائي ، وروى له مسلم مقرونا بغيره ، واحتجت به الأربعة ، عن عامر الشعبي .

وأخرجه البيهقي في "سننه " من حديث شرقي بن قطامي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، أن النبي -عليه السلام - قال : "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه ; خير له من أن يمتلئ شعرا -يعني من الشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - " .

قال أبو عبيد : الذي فيه عندي غير هذا ; لأن ما هجي به الرسول لو كان شطر بيت لكان كفرا ; ولكن وجهه عندي : أن يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه ، فيشغله عن القرآن والذكر .

قلت : فيما ذكر أبو عبيد نظر ; لأن الذين هجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كفار وهم في حال هجوهم موصوفون بالكفر من غير هجو ، غاية ما في الباب قد زاد كفرهم هجوهم ، والصواب هو الذي قاله الطحاوي في آخر الباب ، ولكن الذي يؤيد هذا ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - .

التالي السابق


الخدمات العلمية