صفحة جزء
7035 7036 7037 7038 ص: حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن ابن شهاب ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن عبد الله بن عباس : " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ ، لقيه أمراء الأجناد : ، أبو عبيدة بن الجراح ، وأصحابه - رضي الله عنهم - فأخبروه أن الوباء قد وقع . قال ابن عباس: : - رضي الله عنهما - : فقال عمر : - رضي الله عنه - : ادعوا لي المهاجرين الأولين ، فدعاهم فاستفتاهم ، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام ، ، فاختلفوا عليه ; فقال بعضهم : قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه ، وقال بعضهم : معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء ، ، فقال : ارتفعوا عني ، ثم قال : ادعوا لي من كان ها هنا من مشيخة قريش ، من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان ، قالوا : نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء ، . فنادى عمر - رضي الله عنه - في الناس : إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه . قال أبو عبيدة : - رضي الله عنه - : أفرارا من قدر الله ؟ فقال عمر : : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ؟ ! ، نعم : نفر من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له عدوتان ، إحداهما خصبة ، والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة ، رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟ قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف ، وكان غائبا في

[ ص: 61 ] بعض حاجته ، فقال : إن عندي من هذا علما : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه . قال : فحمد الله عمر ، - رضي الله عنه - ثم انصرف " .

حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة : " أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، . فلما جاء بسرغ ، بلغه أن الوباء قد وقع بالشام ، ، فأخبره عبد الرحمن بن عوف ، - رضي الله عنه - عن رسول الله -عليه السلام - . . . . " فذكر مثل حديث يونس ، الذي قبل هذا ، من حديث عبد الرحمن خاصة -قال : "فرجع عمر - رضي الله عنه - من سرغ " .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني هشام بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن : " أن عمر بن الخطاب ، - رضي الله عنه - حين أراد الرجوع من سرغ . واستشار الناس ، فقالت طائفة منهم أبو عبيدة بن الجراح : : أمن الموت نفر ؟ أما نحن بقدر ولن يصيبنا إلا ما كتب الله ؟ فقال عمر : : يا أبا عبيدة ، لو كنت بواد إحدى عدوتيه مخصبة والأخرى مجدبة ، أيتهما كنت ترعى ؟ قال : المخصبة ، قال : فإنا إن تقدمنا فبقدر ، وإن تأخرنا فبقدر ، وفي قدر نحن " .

حدثنا الحسين بن الحكم الجيزي ، قال : ثنا عاصم بن علي (ح).

وحدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قالا : ثنا شعبة بن الحجاج ، عن قيس بن مسلم ، قال : سمعت طارق بن شهاب ، قال : "كنا نتحدث إلى أبي موسى الأشعري ، . فقال لنا ذات يوم : لا عليكم أن تخفوا عني فإن هذا الطاعون قد وقع في أهلي ، فمن شاء منكم أن يتنزه فليتنزه ، واحذروا اثنتين : أن يقول قائل : خرج خارج فسلم ، وجلس جالس فأصيب ، لو كنت خرجت لسلمت كما سلم آل فلان ، أو يقول قائل : لو كنت جلست لأصبت كما أصيب آل فلان ، وإني سأحدثكم بما ينبغي للناس في الطاعون : إني كنت مع أبي عبيدة ، وإن الطاعون قد وقع بالشام ، ، وأن عمر - رضي الله عنه - كتب إليه : إذا أتاك كتابي هذا فإني أعزم عليك إن

[ ص: 62 ] أتاك مصبحا فلا تمسي حتى تركب ، وإن أتاك ممسيا لا تصبح حتى تركب إلي ; فقد عرضت لي إليك حاجة لا غنى بي عنك فيها ، فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال : إن أمير المؤمنين أراد أن يستبقي من ليس بباق ، فكتب إليه أبو عبيدة : : إني في جند من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم ، وقد عرفنا حاجة أمير المؤمنين ; فحللني من عزمتك ، . فلما جاء عمر الكتاب بكى ، فقيل له : توفي أبو عبيدة ؟ ؟ قال : لا ، وكأن قد ، فكتب إليه عمر : - رضي الله عنه - إن الأردن أرض عميقة ، وإن الجابية أرض نزهة ، فانهض بالمسلمين إلى الجابية ، . فقال لي أبو عبيدة : : انطلق فبوئ المسلمين منزلهم ، فقلت : لا أستطيع ، قال : فذهب ليركب ، وقال لي : رحل الناس قال : فأخذته أخذة فطعن فمات ، وانكشف الطاعون " .

قالوا : فهذا عمر - رضي الله عنه - قد أمر الناس أن يخرجوا من الطاعون ، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله -عليه السلام - . ويروي عبد الرحمن بن عوف ، - رضي الله عنه - عن النبي -عليه السلام - ما يوافق ما ذهب إليه في ذلك .


ش: هذه خمس طرق أخرى :

الأول : رجاله كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه مالك في "موطإه " .

وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك .

ومسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك . . . . نحوه .

الثاني : أيضا رجاله كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه مالك في "موطإه " .

[ ص: 63 ] ومسلم عن يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة . . . . إلى آخره نحوه .

الثالث : أيضا رجاله كلهم رجال الصحيح .

وأخرجه عبد الله بن وهب في "مسنده " .

الرابع : عن الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري -بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة - نسبة إلى بيع الحبر وهو جمع حبرة ، كعنب جمع عنبة ، وهي برد يماني .

عن عاصم بن علي بن عاصم الواسطي شيخ البخاري ، عن شعبة بن الحجاج ، عن قيس بن مسلم الجدلي العدواني الكوفي ، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم ، وروى له الجماعة .

عن طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الكوفي ، أدرك الجاهلية ورأى النبي -عليه السلام - وروى عنه ، وقال أبو داود : رأى النبي -عليه السلام - ولم يسمع منه شيئا . مات أيام الجماجم قال : "كنا نتحدث إلى أبي موسى الأشعري " وهو عبد الله بن قيس .

وأخرجه محمد بن جرير الطبري .

الخامس : عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الرصافي الكوفي ، ثقة ، عن شعبة . . . . إلى آخره .

قوله : "خرج إلى الشام " كان خروج عمر - رضي الله عنه - إلى الشام هذه المرة سنة سبع عشرة يتفقد فيها أحوال الرعية وأمرائهم ، وكان قد خرج قبل ذلك سنة ست عشرة لما حاصر أبو عبيدة بيت المقدس فقال أهله : يكون الصلح على يدي عمر - رضي الله عنه - فخرج لذلك .

قوله : "حتى إذا كان بسرغ " بفتح السين المهملة وسكون الراء وفي آخره غين

[ ص: 64 ] معجمة ، قال أبو عبيد البكري : هي مدينة بالشام افتتحها أبو عبيدة هي واليرموك والجابية والرمادة متصلة .

قال أبو بكر الحازمي : هي أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام .

قال أبو عمر : قيل إنه واد بتبوك ، وقيل : بقرب تبوك .

وقال ابن قرقول : وعن ابن وضاح بتحريك الراء ، قال : وهو من المدينة على ثلاثة عشر مرحلة .

قوله : "لقيه أمراء الأجناد " جمع جند -بضم الجيم وسكون النون - قال الجوهري : الشام خمسة أجناد : دمشق وحمص وتنسرين وأردن وفلسطين يقال لكل منها : جند .

وقال كراع : كان الشام على خمسة أجناد ، على كل ناحية أمير ، ولم يمت عمر - رضي الله عنه - حتى جمع الشام كله لمعاوية - رضي الله عنه - .

قوله : "إن الوباء " الوباء مهموز يمد ويقصر ، وهو عبارة عن مرض عام يفضي إلى الموت غالبا ، وعند الأطباء : هو آفة تعرض للهواء فيفسد ، فتفسد بفساده الأمزجة .

وقال أبو زيد الأنصاري : أرض وبيئة إذا كثر مرضها .

وقال صاحب الجامع : الوبا -على وزن فعل : الطاعون ، وقيل : كل مرض عام وباء . قال ابن درستويه : والعامة لا تهمزه وإن كان ترك الهمزة جائزا .

قوله : "لو غيرك قالها " جوابه محذوف ، أي لو غيرك قال هذه الكلمة لعاقبته ، ويقال : معناه : هلا تركت هذه الكلمة لمن قل فقهه .

قوله : "عدوتان " العدوة بضم العين وكسرها وقرئ بهما في السبعة وهي جانب الوادي .

[ ص: 65 ] قوله : "إحداهما خصبة " قال ابن الأثير : ضبط بفتح الخاء وكسر الصاد في بعض الكتب ، وفي بعضها بالسكون .

و"الجدبة " بفتح الجيم وسكون الدال ضد الخصبة .

قوله : "كنا نتحدث إلى أبي موسى " أي عند أبي موسى ، وكلمة "إلى " تجيء بمعنى "عند " كما في قول الشاعر :


أم لا سبيل إلى الشباب وذكره . . . أشهى إلي من الرحيق السلسل



أي ذكره أشهى عندي من الشراب الخالص الرائق .

قوله : "لا عليكم " أي لا بأس عليكم أن تخفوا عني أي أن تتفرقوا عني لأجل وقوع الطاعون في أهلي .

قوله : "فاحذروا اثنتين " أي خصلتين .

قوله : "أن يقول قائل " أي إحدى الخصلتين أن يقول قائل .

والخصلة الثانية هي قوله : "أو يقول قائل : لو كنت جلست لأصبت " .

قوله : "من عزمتك " العزمة : الحق من الحقوق والواجب من الواجبات .

قوله : "أرض عميقة " أي غور وأودية .

و"الأردن " بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال وهي قوله : "فبوئ المسلمين " أمر من بوأ يبوئ ، يقال : بوأه منزلا أي أسكنه إياه ، وتبوأت منزلا أي اتخذته .

قوله : "فأخذته أخذة " بفتح الهمزة وسكون الخاء مرة من الأخذ ، أراد : ظهر له شيء من أمراض الطاعون فمات من ذلك ، قال عروة بن الزبير : "خرجت بأبي [ ص: 66 ] عبيدة في خنصره بثرة ، فجعل ينظر إليها ، فقيل : إنها ليست بشيء ، فقال : إني أرجو أن يبارك الله فيها ; فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا ، فمات من ذلك وقبر ببيسان ، وقيل : توفي بعمواس سنة ثماني عشرة - رضي الله عنه - .

ثم الحديث المذكور يشتمل على أحكام :

الأول : فيه خروج الخليفة إلى أعماله يطالعها وينظر إليها ويعرف أحوال أهلها.

الثاني : فيه استعمال الخليفة أمراء عددا في موضع واحد لوجوه يصرفهم فيها، وكان عمر - رضي الله عنه - قسم الشام على أربعة أمراء ، تحت كل واحد منهم جند وناحية من الشام ، وهم : أبو عبيدة ، وشرحبيل ، ويزيد بن أبي سفيان وأحسب الرابع معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ثم لم يمت عمر - رضي الله عنه - حتى جمع الشام لمعاوية .

الثالث : فيه دليل على إباحة العمل والولاية ، وأن لا بأس بها للصالحين والعلماء إذا كان الخليفة فاضلا عالما يأمر بالحق ويعدل.

الرابع : فيه دليل على مشورة من يوثق بفهمه وعقله عند نزول الأمر المعضل .

الخامس : فيه دليل على أن المسألة إذا كان دليلها الاجتهاد ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيه عيب مخالفه ولا الطعن عليه ; ألا ترى أنهم اختلفوا وهم القدوة فلم يعب أحد منهم على صاحبه اجتهاده ولا وجد عليه في نفسه ؟ إلى الله الشكوى ، وهو المستعان .

السادس : فيه دليل على أن المجتهد إذا أداه اجتهاده إلى شيء خالفه فيه صاحبه لم يجز له الميل إلى قول صاحبه إذا لم يبن له موضع الصواب فيه ، ولا قام له الدليل عليه .

السابع : فيه دليل على أن الإمام أو الحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة ، كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم ، فإن لم يأت واحد منهم بدليل من كتاب أو سنة غير اجتهاده كان عليه الميل إلى الأصلح والأخذ بما يراه .

الثامن : فيه دليل على إثبات المناظرة والمجادلة عند الخلاف في النوازل والأحكام.

[ ص: 67 ] التاسع : فيه دليل على أن الحديث يسمى علما ويطلق ذلك عليه ; ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن عوف : "عندي من هذا علم " .

العاشر : فيه دليل على أن الخلق يجرون في قدر الله وعلمه ، وأن أحدا منهم أو شيئا لا يخرج عن حكمه وإرادته ومشيئته .

الحادي عشر : فيه أن العالم قد يجد عند من هو في العلم دونه ما لا يوجد منه عنده ; لأنه معلوم أن موضع عمر - رضي الله عنه - من العلم ومكانه من الفهم ودنوه من رسول الله -عليه السلام - في المدخل والمخرج فوق عبد الرحمن - رضي الله عنه - وقد كان عند عبد الرحمن عنه -عليه السلام - ما لم يكن عند عمر - رضي الله عنه - .

الثاني عشر : فيه أن القاضي والإمام والحاكم لا ينفذ قضاء ولا يفصل حكما إلا عن مشورة من يحضره ويصل إليه ويقدر عليه من علماء موضعه .

الثالث عشر : فيه دليل عظيم على ما كان عليه القوم من الإنصاف في العلم والانقياد إليه ، وكيف لا يكون ذلك وهم خير الأمم ؟ ! .

الرابع عشر : فيه دليل على استعمال خبر الواحد وقبوله وإيجاب العمل به ، وهذا أصح وأقوى من جهة الأثر في خبر الواحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية