صفحة جزء
7048 ص: فإن قال قائل : فما ذلك المعنى ؟

قيل له : هو عندنا -والله أعلم - على أن لا يقدم عليه رجل فيصيبه بتقدير الله -عز وجل - أن يصيبه ، فيقول : لولا أن قد قدمت هذه الأرض لما أصابني هذا الوجع ، وكذلك لو أقام في الموضع الذي خرج منه لأصابه ، فأمر أن لا يقدمها خوفا من هذا القول ، وكذلك أمر أن لا يخرج من الأرض التي قد نزل بها ; لئلا يسلم ، فيقول : لو أقمت في تلك الأرض لأصابني ما أصاب أهلها ، ولعله لو كان أقام بها ما أصابه من ذلك شيء ، فأمر بترك القدوم على الطاعون للمعنى الذي وصفنا ، وبترك الخروج عنه للمعنى الذي ذكرنا ، وكذلك ما روينا عنه في أول هذا الباب من قوله : "لا يورد ممرض على مصح " ليس على ما تأوله عليه أهل المقالة الأولى ، ولكنه عندنا -والله أعلم - لا يورد ممرض على مصح فيصيب المصح ذلك المرض ، فيقول الذي أورده : لو أني لم أورده عليه لم يصبه من هذا المرض شيء ، فلعله لو لم يورده أيضا لأصابه كما أصابه لما أورده ، فأمر بترك إيراده وهو صحيح على ما هو مريض لهذه العلة ، التي لا يؤمن على الناس وقوعها في قلوبهم ، وقولهم ما ذكرنا بألسنتهم .


ش: أشار بذلك المعنى إلى قوله : غير المعنى الذي ذهبتم وهو ظاهر ، وهذا جواب الجمهور ، وقالوا : إن نهي النبي -عليه السلام - أن يسقي إبله الممرض مع إبله المصح لا

[ ص: 76 ] لأجل العدوى
، ولكن لأن الصحاح ربما عرض لها مرض فوقع في نفس صاحبها أن ذلك من قبيل العدوى فتفتنه وتشككه ، فأمر باجتنابه والبعد عنه ، وقد يحتمل أن يكون ذلك من قبيل الماء والمرعى تستوبله الماشية فتمرض ، فإذا شاركها في ذلك غيرها أصابه مثل ذلك الداء ، فكانوا لجهلهم يسمونه عدوى ، وإنما هو فعل الله تعالى بتأثير الطبيعة على سبيل التوسط في ذلك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية